في تحول بارز أعاد الملف السوداني إلى واجهة الاهتمام الدولي، برزت تساؤلات حول الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة وشركائها لوقف الصراع الدائر في السودان، وذلك عقب تصريحات غير مسبوقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن فيها بدء تحرك مباشر لإنهاء الحرب، في خطوة وصفها محللون بأنها أول انخراط فعلي لواشنطن منذ اندلاع الأزمة.
الكاتب والباحث السياسي السوداني فايز السليك أكد في حديثه لوسائل الإعلام أن تصريحات ترامب الأخيرة تمثل تغيراً نوعياً في الموقف الأميركي تجاه السودان، موضحاً أن الرئيس الأميركي تحدث بوضوح بعد اجتماعه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن ضرورة وقف الحرب فوراً، معلناً العمل مع الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر لبذل كل ما في وسعها لإنهاء النزاع.
من جانبه، كشف كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس أن ترامب دخل شخصياً على خط الأزمة، مشيراً إلى أن إعلان الرئيس كان له وقع دولي كبير وأنه أصبح يتابع الملف بشكل يومي. بولس أوضح أن الإدارة الأميركية تقدمت للطرفين بمقترح هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، مؤكداً أن واشنطن تطلب القبول الفوري دون شروط مسبقة، وأن الرئيس كلفه بالتوجه إلى المنطقة لعقد اجتماعات مع شركاء الرباعية وفاعلين إقليميين آخرين من بينهم قطر وتركيا للوصول إلى حل عاجل.
بولس بيّن أن واشنطن تعمل على مقترح جديد يقوم على ثلاثة محاور رئيسية: الوضع الإنساني عبر وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات ومعالجة أوضاع النازحين واللاجئين، الانتقال السياسي من خلال عملية تفاوض سودانية-سودانية تؤدي إلى حكم مدني بعيد عن الأطراف المتنازعة، وإعادة الإعمار عبر خطة شاملة للمرحلة التي تلي انتهاء الحرب. كما شدد على وجود خطوط حمراء واضحة لدى الولايات المتحدة وشركائها تشمل تأثير النظام السابق، دور جماعة الإخوان المسلمين، والتدخل الإيراني.
بولس أشار إلى أن لدى واشنطن وسائل ضغط عديدة، بعضها استُخدم والبعض الآخر قيد الدراسة النهائية وسيُعلن عنه في الوقت المناسب، مؤكداً أن ما تغيّر اليوم هو حجم الزخم الدولي حيث أصبحت الأضواء كلها مسلطة على السودان، وهو ما اعتبره تطوراً مهماً.
في المقابل، أوضح فايز السليك أن الطريق ليس سهلاً رغم التحرك الأميركي، مشيراً إلى وجود عقبات كبيرة أبرزها تعدد مراكز اتخاذ القرار داخل الجيش واختطاف الحركة الإسلامية للمؤسسة العسكرية. وحذر من أن إنهاء الحرب يعني بالنسبة لهذه القوى عودة قوة مدنية أخرى إلى المشهد، وهو ما لا ترغب فيه أطراف نافذة داخل الجيش.
السليك أضاف أن داخل قوات الدعم السريع أيضاً مراكز قرار متعددة وعناصر غير منضبطة تستفيد من استمرار الحرب، ما يشكل عقبة أمام أي هدنة محتملة. وأكد أن المدنيين هم الأكثر تضرراً من الحرب والأقل قدرة على التأثير، مشيراً إلى أن أكثر من 12 مليون سوداني بين نازح ولاجئ، فيما يموت الآلاف يومياً نتيجة تداعيات النزاع.
السليك شدد على أن الخوف الأكبر لدى قادة الجيش ومن خلفهم الإسلاميون هو من الانتقال المدني، معتبراً أن هذا الخوف يفوق حتى مخاوفهم من قوات الدعم السريع. ورأى أن خطة واشنطن النظرية قد تكون مفتاحاً للحل، لكنها تتطلب معالجة جذور المشكلة عبر مواجهة تعدد مراكز القرار في الجيش والدعم السريع وفرض ضغوط واضحة.
بولس أكد في ختام تصريحاته أن الإرادة الدولية اليوم أقوى من أي وقت مضى، وأن دخول الرئيس ترامب شخصياً على خط الأزمة قد يغير قواعد اللعبة، مشيراً إلى أن هذا الانخراط المباشر يعكس جدية غير مسبوقة في التعامل مع الملف السوداني.
