في ظل تصاعد الانتهاكات في مدينة الفاشر وتفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، شهدت عدة عواصم أوروبية حراكًا شعبيًا واسعًا من قبل الجاليات السودانية والمتضامنين الدوليين، مطالبين بوقف الحرب ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، وسط انقسام في الرأي العام حول جدوى مبادرة الرباعية كمسار لحل النزاع.
مظاهرات أوسلو
في العاصمة النرويجية أوسلو، تجمع مئات السودانيين والنرويجيين والفلسطينيين في ساحة باردة مرددين شعارات بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والنرويجية، من بينها “كفى حربًا.. أوقفوا الدمار.. نريد سلامًا لأهلنا في السودان”. الناشطة السودانية سارة ضيف الله شاركت في الوقفة مع أبنائها، وهتفت بشعارات تندد بما وصفته بجرائم الحرب وتورط أطراف إقليمية، من بينها الإمارات. وأكدت في حديثها أن الوقفة لم تكن رمزية، بل تعبيرًا عن الغضب الشعبي تجاه استمرار الحرب، مشيرة إلى أن المشاركين طالبوا الحكومة النرويجية ودول الترويكا بالتحرك الجاد لحماية المدنيين. الوقفات الاحتجاجية بدأت أمام وزارة الخارجية النرويجية، ثم امتدت لتشمل مدن أخرى، في تصعيد تضامني مع ضحايا الفاشر.
حراك باريس
في ساحة الباستيل بالعاصمة الفرنسية باريس، احتشد مئات السودانيين والعرب والفرنسيين في مظاهرة نددت بما وصفوه بالإبادة الجماعية في دارفور. المشاركون رفعوا شعارات تطالب بتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية. الحراك امتد إلى برلين ولندن ومدن أمريكية وكندية، حيث خرجت الجاليات السودانية في تظاهرات متزامنة مع تصاعد الانتهاكات في الفاشر، وسط جدل متزايد حول مبادرة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب عبر خارطة طريق سياسية.
دعم مدني
داخل السودان وخارجه، وجدت مبادرة الرباعية دعمًا من القوى المدنية والديمقراطية، حيث وقّع أكثر من 200 ناشط وسياسي وفنان على مذكرة بعنوان “بارقة أمل”، سلمت إلى وزراء خارجية دول الرباعية، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. المذكرة دعت إلى تبني خارطة الطريق المقترحة بشكل كامل، وتفويض مجلسي الأمن والسلم والأمن الأفريقي لاتخاذ قرارات قوية لحماية المدنيين. كما طالبت الآلية الرباعية بالضغط على القوات المسلحة وقوات الدعم السريع للقبول الفوري بوقف العدائيات والتوقيع على هدنة إنسانية دون شروط، تمهيدًا لعملية سياسية تعيد للسودان وحدته واستقراره.
حملة رقمية
بالتوازي مع المظاهرات، أطلق نشطاء وسياسيون وفنانون حملة رقمية موحدة على مواقع التواصل الاجتماعي، استخدموا فيها وسمي “أنقذوا السودان” و”لازم تقيف”، في دعوة جماعية لوقف الحرب فورًا. نص الحملة وصف معاناة الشعب السوداني خلال عامين ونصف من الحرب، مشيرًا إلى الموت والدمار والجوع والمرض والنزوح، ومطالبًا بإنهاء الحرب بشكل عاجل. في المقابل، شهدت المنصات الرقمية موجة من الوسوم المعادية لدولة الإمارات، حمّلتها قطاعات من الشارع السوداني مسؤولية تمويل الحرب وتأجيج الصراع، وسط انقسام واضح بين من يرى في الرباعية فرصة للسلام ومن يشكك في نوايا بعض أطرافها.
استطلاع رأي
أشار الباحث المدني د. شمس الدين ضو البيت إلى نتائج استطلاع رأي أجراه الصحفي ضياء الدين بلال على صفحته في فيسبوك، أظهر أن غالبية المتفاعلين يرون أن الحركة الإسلامية هي العائق الرئيسي أمام السلام، تليها الإمارات، ثم قوى الحرية والتغيير والدعم السريع/تأسيس. الاستطلاع كشف عن مزاج عام يميل إلى تحميل الإسلاميين مسؤولية استمرار الحرب، حيث أجاب 158 شخصًا بأنهم العائق الأكبر، مقابل 70 صوتًا للإمارات، و35 لقوى الحرية والتغيير، ومثلهم للدعم السريع. ضو البيت اعتبر أن هذه النتائج تعكس فشل حملة الإسلاميين لإعادة تقديم أنفسهم بصورة جديدة، رغم أن العينة تنتمي إلى جمهور معروف بدعمه لهم.
تقييم الرباعية
يرى المفكر د. النور حمد أن جهود الآلية الرباعية أنعشت الآمال بإمكانية الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وبدء تدفق المساعدات الإنسانية. وأوضح أن قوات الدعم السريع أبدت مرونة في التفاوض، بينما ظل ممثلو الجيش ينسحبون من المنابر أو يتراجعون عن الاتفاقات، مشيرًا إلى أن الخطاب الرسمي من بورتسودان لا يزال يتبنى خيار الحرب. كما أشار إلى ضغوط داخل معسكر الإسلاميين على البرهان، واعتبر أن مطالب الجيش بشروط مثل خروج الدعم السريع وإشراك تركيا وقطر ليست سوى محاولات لكسب الوقت. حمد أكد أن غياب التدخل الأمريكي الجاد سيؤدي إلى استمرار الحرب، وأن واشنطن يجب أن تفرض خارطة الطريق بكل أدوات الضغط المتاحة.
موقف شعبي
الصحفي والمحلل السياسي علاء الدين بشير أكد أن الرأي العام السوداني بات يعتبر السلام مسألة حياة أو موت، لكنه أشار إلى حالة من الالتباس في وسط وشمال السودان، حيث يرفض كثيرون أي تسوية تُبقي على قوات الدعم السريع ضمن الترتيبات المستقبلية. واعتبر أن مبادرة الرباعية هي المحاولة الجادة الوحيدة منذ اندلاع الحرب، لكنها تعتمد كليًا على الولايات المتحدة، التي لا تبدي اهتمامًا كافيًا بالقارة الأفريقية. بشير شدد على أن نجاح المبادرة مرهون بتحول قضية السودان إلى قضية رأي عام داخل أمريكا، كما حدث في اتفاق السلام الشامل السابق، محذرًا من أن استمرار الحرب سيضاعف معاناة الشعب السوداني ما لم تتبن واشنطن الملف بجدية.
