الخرطوم – رصد خاص لـ “سودان لايف نيوز”
يواجه السودان واقعاً مريراً يزداد قتامة يوماً بعد يوم، حيث تشهد معدلات الوفيات ارتفاعاً ملحوظاً، سيما في أم درمان وجنوب الخرطوم، في ظل تفشٍ متسارع للأمراض. تتصاعد الشكوك بوجود تسرّب كيميائي في بعض المناطق، بينما يُشكل انقطاع إمدادات المياه في معظم أنحاء البلاد كارثة حقيقية، ما اضطر الأسر إلى جمع المياه من مصادر غير آمنة وملوثة، محولاً شريان الحياة إلى مصدر للوباء.
محرر “سودان لايف نيوز“، الذي يتابع بقلب مكلوم هذه المأساة الإنسانية، رصد أن معدلات الجوع تتزايد بوتيرة متسارعة، لتطال اليوم أكثر من 26 مليون شخص، وذلك بحسب تقديرات الأمم المتحدة. يأتي هذا الارتفاع الصادم في أعداد الجوعى في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتدهور الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق، خصوصاً في إقليم كردفان الذي يشهد قتالاً عنيفاً لا يرحم. المعلومة المفيدة والواضحة هنا هي التزامن بين الحرب والجوع والأمراض، ما يخلق حلقة مفرغة من المعاناة.
“أمراض غريبة” و”انهيار صحي”: تحذيرات أممية تصف واقعاً مُراً
حذّرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية متعددة من أوضاع خطيرة تفاقمت بشكل مروع، خاصة بعد ظهور “أمراض غريبة” في العاصمة الخرطوم، والتي أدت إلى وفاة الآلاف في أقل من أسبوع، دون تدخلات ملموسة أو فعالة من السلطات الصحية المحلية. هذا التقاعس يثير علامات استفهام كبرى حول قدرة المنظومة الصحية على الصمود.
يأتي هذا المشهد الكارثي في ظل خروج أكثر من 70 في المئة من مستشفيات البلاد عن الخدمة، بالإضافة إلى نقص حاد ومزمن في المستلزمات الطبية والأدوية، بحسب نقابة أطباء السودان. هذه الأرقام المفزعة تُرسم صورة لقطاع صحي على حافة الانهيار التام، تاركاً الملايين بلا أي بصيص أمل في الحصول على الرعاية.
ووفقاً للأمم المتحدة، فقد أجبر اندلاع الصراع في أبريل 2023 نحو 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم، وتشرّدوا داخلياً وفي أنحاء المنطقة، بينما عبر أكثر من 3 ملايين شخص الحدود إلى خارج البلاد، ليصبح السودان أكبر أزمة نزوح في العالم. ورغم عودة الآلاف إلى بعض مناطق ولاية الخرطوم مؤخراً، إلا أن كثيرين وجدوا منازلهم مدمرة، تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي، إلى جانب استمرار أعمال النهب والقصف العشوائي في مناطق عدة، مما يجعل العودة في كثير من الأحيان رحلة معاناة جديدة.
كما يعاني سكان الولايات الشمالية والغربية والشرقية من نقص حاد في الغذاء، وصعوبات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية، مما يؤكد أن الكارثة تتجاوز حدود العاصمة. وفي أم درمان، غرب العاصمة، يواجه السكان أزمة حادة في مياه الشرب، مع ارتفاع جنوني في أسعارها، إذ تقول منظمات صحية إن سعر حمولة المياه الواحدة تجاوز ثلاثة أضعاف راتب العامل الشهري، في مؤشر على تآكل القوة الشرائية وتدهور مستوى المعيشة.
“المياه غير الآمنة” و”تهديد الكوليرا المزدوج”: اليونيسف تدق ناقوس الخطر
أكد مرتضى عبد القادر، أحد المشرفين على منظمة طوعية تعمل في عدد من مناطق البلاد، أن “المياه حتى وإن توفرت، فإنها غالباً ما تكون غير آمنة من الناحية الصحية”، مما يعني أن مجرد توفر المياه لا يكفي في ظل غياب الرقابة ومعايير السلامة.
من جانبها، توقعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تفاقماً أكبر في أزمة الصحة العامة في السودان، مع استمرار الصراع والنزوح الجماعي، وانتشار الأمراض. وفي تقرير صدر يوم الأربعاء، سلّطت اليونيسف الضوء على الخطر المتزايد لوباء الكوليرا في بلد مزّقته الحرب، حيث تم تسجيل أكثر من 7700 إصابة و185 حالة وفاة مرتبطة بها في ولاية الخرطوم وحدها. ويُثير القلق بشكل خاص تسجيل أكثر من 1000 إصابة بين أطفال دون سن الخامسة، وهم الشريحة الأكثر هشاشة.
وقال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان: “يتعرض المزيد من الأطفال يومياً لهذا التهديد المزدوج المتمثل في الكوليرا وسوء التغذية، لكن كلاهما يمكن الوقاية منهما وعلاجهما، إذا تمكّنا من الوصول إلى الأطفال في الوقت المناسب”. هذه الكلمات تحمل في طياتها نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي للتحرك قبل فوات الأوان، وإنقاذ الأرواح البريئة في السودان.