
لا أحد في السودان يتمني أن تفشل المباحثات القادمة (إن قدر لها أن تقام ) بين الجنرالين أصحاب حرب أبريل الماضي، الكل في السودان شعبا وأحزاب سياسية ومنظمات بانواعها المختلفة المدنية والحقوقية والتطوعية والصحفية والاعلامية والدبلوماسية يتمنون أن تنجح المباحثات المرتقبة بين البرهان وعدوه اللدود “حميدتي” وتكلل بالنجاح التام وتتوقف المعارك والاقتتال، ويهدأ السلاح وتعود الحياة الي طبيعتها القديمة، وننعم بسلام دائم، ولكن هل حقا كل هذه الأماني يمكنها أن تتحقق بلا عراقيل او شروط تعجيزية صعبة التطبيق يضعها أحد الجنرالين في وجه الأخر ويلزمه بتنفيذها؟!!
أتوقع أن تكون هناك عشرة معوقات ستكون عقبة والعقدة أمام المنشار أمام نجاح اجتماع الجنرالين، وهي عقبات اصلا ليست جديدة وانما سبق مناقشتها في “اجتماعات جدة” و”ايغاد” ورشة القاهرة والاتحاد الأفريقي، ناقشها البرهان مع رؤساء الدول التسعة بعد خروجه من القيادة العامة بالخرطوم قبل أربعة شهور مضت، وناقشها ايضا “حميدتي” مع بعض رؤساء الدول الافريقية، وكان أخرها لقاءه مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ومع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
أولي هذه العقبات أن “حميدتي” وقبل الاجتماع مع البرهان علي طاولة واحدة ، قد يصر اصرار شديد علي أن يكون لقاءه مع البرهان بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وليس بصفته رئيس مجلس السيادة، وهو الامر الذي حتما سيرفضه البرهان بشدة حفاظا علي هيبته ومكانته، وأنه شرط غير مقبول.
العقبة الثانية، أن يطلب “حميدتي” من البرهان إلغاء المرسوم الذي قضى بحل قوات “الدعم السريع” وصدر بتاريخ يوم ٦/ سبتمبر الماضي، وقد نص المرسوم كما جاء في الصحف والمواقع السودانية والأجنبية:
(…- أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، يوم الأربعاء، مرسوما دستوريا قضى بحل قوات الدعم السريع. وأورد مجلس السيادة في بيان: “وجه الفريق أول ركن البرهان القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة والأمانة العامة لمجلس السيادة والجهات المعنية الأخرى بوضع القرار موضع التنفيذ”. وأضاف البيان “يأتي القرار إستناداً على تداعيات تمرد هذه القوات على الدولة والانتهاكات الجسيمة التي مارستها ضد المواطنين، والتخريب المتعمد للبنى التحتية بالبلاد. فضلا عن مخالفتها لأهداف ومهام ومبادئ إنشائها الواردة في قانون قوات الدعم السريع لسنة”.).
البرهان بدوره لن يقبل باي حال من الأحوال الغاء المرسوم دستوري، لان هذا يعني أن قوات “الدعم السريع” بعد هذا الإلغاء عادت مجددا جزء لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية، وأنها قوات متوازية مع القوات المسلحة وها نفس الحقوق والواجبات والامتيازات بها التي يتمتع بها الجيش.
البرهان بدوره لن يقبل بحل قوات “الدعم السريع” خوفا من ردود الفعل الغاضبة التي قد تصدر من ضباط وجنود القوات المسلحة، وبصورة خاصة من الجنرالات والضباط الاسلاميين الذين يمسكون بزمام الامور بقوة في القوات المسلحة، ولن يقبلوا بوجود جيش أخر في البلاد، الامر الذي قد يؤدي الي انقلاب عسكري يطيح بالبرهان والثلاثة جنرالات الأخرين معه.
العقبة الثالثة التي قد تشكل مشكلة في لقاء الجنرالين، أن يرفض “حميدتي ” رفض بات خروج قواته من الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة والسفارات والبنوك ومطار الخرطوم والجسور ومنازل المواطنين الا بعد أن يوافق البرهان علي رجوع قوات “الدعم السريع” بكامل عتادها الحربي الي المواقع العسكرية السابقة التي كانت عليها في العاصمة المثلثة قد نشوب حرب أبريل الماضي، والا تعترض قواته لمناوشات او اعتداء من قبل القوات المسلحة.
بالطبع البرهان سيرفض رفض بات اقتراح “حميدتي”، خصوصا وانه قد سبق له من قبل أن صرح عدة مرات بانه لن يلتقي ب”حميدتي” ويجتمع معه الا بعد خروج الدعامة من كافة المناطق التي احتلوها، ومن منازل المواطنين الذين اصبحوا دروع بشرية لحماية قوات الدعم من قصف طائرات سلاح الطيران، وهي الخطة أبقت الاحتلال قائم للشهر الثامن.
العقبة الرابعة تتمثل في أن البرهان يدخل الاجتماع القادم مع “حميدتي” وهو في موقف ضعيف للغاية مقارنة مع موقف “حميدتي” الواثق من تحقيق نصر وفرض شروط سلام هو من يفرضها، ويعود سبب ضعف موقف البرهان إنه وخلال الثمانية شهور بعد الحرب لم يحقق أي انجاز عسكري او انتصار في معركة او تحرير منطقة خضعت للدعامة، موقف البرهان يذكرنا بما وقع بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط الرايخ الألماني ، حيث تم قاموا الجنرالات الألمان النازيين بعد اعتقالهم من قبل القوات الروسية بتوقيع اتفاقية استسلام ألمانيا وخضوعها بالكامل لسيطرة أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا.
هناك العقبة الخامسة التي قد تشكل واحدة من أهم معوقات نجاح اللقاء، وهي أن البرهان سيلتقي ب”حميدتي” وهو تحت ضغط شديد من قبل الجنرالات والضباط الاسلاميين في الجيش، ومن الحركة الاسلامية وجماعة علي كرتي وبقايا فلول النظام البائد الذين يرفضون وقف الحرب وإنهم لا يقبلون باي حال من الاحوال أن يقبل البرهان باي شرط من شروط او اقتراحات من “حميدتي”… والبرهان يخشي أن جنح للسلم وتجاهل الضغوطات الواقعة عليه من الداخل، يجد نفسه بعد العودة الي بورتسودان شخص مغضوب عليه ووجب الاطاحة به ويلحق باقي رفقاء السلاح القدامى في القاهرة.
العقبة السادسة، أن كلا من البرهان و”حميدتي” يدخلان مؤتمر اللقاء بينهما وليس هناك أجندة واضحة لكلا الطرفين، فلا البرهان عنده تصور كامل شامل كيف ينهي الصراع مع قوات “الدعم السريع” ويتخلص منها ومن قوتها العسكرية الضخمة وهي حقيقة موجودة علي أرض الواقع، ولا “حميدتي” عنده متطلبات واضحة ومحددة واجبة التنفيذ من قبل البرهان، فمثلا سبق من قبل أن أن اشترط “حميدتي” علي البرهان فصل كل الضباط الاسلاميين من القوات المسلحة وتطهيرهم بحيث لا يبقي أحدا منهم بداخلها، وانهاء القوات المسلحة الحالية المحتكرة حاليا من قبل فئة من قبائل معينة وتكوين جيش أخر قومي جديد.
العقبة السابعة هي واحدة من أصعب المعوقات التي قد تكون مشكلة ما بين الجنرالين، فقد سبق أن كتبت الصحف السودانية والاجنبية من الاخبار التي أكدت أن الحرب في السودان قد خرجت تماما من يد البرهان و”حميدتي”، وان دول أجنبية معينة هي التي اصبحت تدير دفة الحرب لتحقيق مصالحها، كتبت الصحف كثيرا عن دور تشاد والإمارات وتركيا وايران ومصر ومالي وأفريقيا الوسطي، وهذا يعني أن تدخل هذه الدول تلقي بظلالها بقوة علي لقاء البرهان ب”حميدتي”.
العقبة الثامنة، لقد أصبح من الواضح أن لا احد من الجنرالين عنده الرغبة الاكيدة في انهاء القتال، وظهر هذا بصورة لا تقبل الشك في اجتماعات مؤتمر جدة، وفي مناقشات “إيغاد” وورشته القاهرة وفشل كل الهدن الستة… البرهان مرتاح أخر راحة في العاصمة الجديدة في مكان الله وحده يعلم أين هو، ويتمتع سفريات خارجية، ويمارس سلطاته في الاقالات والتعيينات واللقاء فقط مع ضباط وجنود القوات المسلحة.
و”حميدتي” هو الاخر لا يحبذ الجنوح للسلم ويرفضه تماما ، لماذا يجنح للسلم وهو الذي اصبح يحقق كل يوم انتصارات عسكرية واسعة علي حساب الجيش المهلهل الذي بدأ الضباط والجنود فيه يسلمون المواقع العسكرية والمدن ويفرون منها، وكان أخرها استلام مدينة ودمدني بكل سهولة ودون أطلاق رصاصة واحدة؟!!
العقبة التاسعة، لا احد حتي الان سواء من جنرالات المجلس او الحكومة او قادة الجيش يعرف ما هي خطط البرهان وما عنده من حجج لتقديمها في الاجتماع القادم ؟!!، لا احد حتي المقربين منه لا يعرفون ما في مخيلة البرهان من افكار واقتراحات، كل ما يعرفون أنه يدخل الاجتماع فقط ليناقش قضية اخلاء المناطق المحتلة وعدم اعاقة توصيل مواد الاغاثة لمناطق الفقر والجوع، وهي أقوال سبق ان نكررها مرات كثيرة في خطبه وتصريحاته، اما عن باقي الموضوعات الملحة والعاجلة مثل مستقبل قوات “الدعم السريع” تبقي ام تحل؟!!، وضرورة ابعاد المرتزقة الاجانب ، وحسم التدخل الأجنبي في الشأن السوداني فلا مكان لها في لقاء الجنرالين.
العقبة العاشرة، لا اعتقد أن الوفود الاجنبية المشاركة رسميا في لقاء البرهان “حميدتي” ستكون متفائلة بنجاح اللقاء علي اعتبار انها وفود أفريقة واجنبية تعرف عن كثب وقرب كيف يفكر البرهان وحميدتي، وأن اللقاء بينها لا يمكن أن يمحي عمق الكراهية التي يكنها كل منها للاخر، خصوصا أن “حميدتي” سعي من قبل لاغتيال البرهان في يوم ١٥/ أبريل الماضي، وقام البرهان بقصف منزل “حميدتي” في يوم ١٩/ أبريل الماضي… كل الوقائع تؤكد، انه من وجهة نظر الوفود الاجنبية سيكون اللقاء القادم بين الجنرالين فاشل ولا أمل في نجاحه بسبب العقلية المتخلفة عند الاثنين!!، يود البرهان أن يكون الأقوى ظهورا في اللقاء القادم .. و”حميدتي” عنده ثقة في هزيمة البرهان كما يهزمه دائما كل يوم شر هزيمة.