
سودان لايف- أحمد جبارة
بخطى مهرولة وعلى نداءات المآذن في صباح العيد سارع اهالي ” الموتة ” و”بيكة” تلك – القرى الوادعة في محلية شرق الجزيرة – سارعوا إلى احياء شعائر صلاة العيد ، وبقلوب ذاكره وراضيه ونقيه ردد المصلون الهتاف الذي ملأ ارجاء المكان بذكر الله قائلين ” الله اكبر .. الله اكبر .. الله اكبر . لا إله الا الله ، الله اكبر ولله الحمد ” وهم يرفلون في ثيابهم البيضاء وسط النظرات الهائمه والطفوليه التي غمرت المكان وكانها تحثهم علي ترديد ذكر الله ،وهتف أطفال القرية مرددين كما الانشوده”عيدت .. عيدت .. عيدت” حيث يعد هذا الهتاف السمة البارزة لهم للتعبير عن فرحة العيد في كل عام ، وتبادل الجميع الابتسامات وشرع كلاً يعانق اخاه في صفاء وؤد بطريقه راتبه اعتاد عليها الجميع كل عيد .
طعم العيد
بالرغم من جائحه كورونا التي اجتاحت البلاد إلا أن شرفات وابواب المنازل في *”الموتة “* *”وبيكة “* فتحت وزينت لإستقبال المعيدين حيث لم ترهبها الجائحة وربما يكون السبب يرجع لخلو المنطقة من فيروس كورونا اللعين ، بجانب أن ذات القرية تعد من المناطق البعيدة من معاقل الفيروس المميت ، ورغم انف الفايروس كان للعيد طعم ومذاق مختلف من تهاني وولائم حيث لم تعكر صفوه المدعوه كورونا فرحة اهالي المنطقة وتبادلهم للافراح إذ كان العيد في قمة جماله وبهاءه حيث تفتحت الارض ببساطها لاستقبال رزاز من الامطار الذي جاء على عجل وكانه طفل راكض لأ يد مدت له بقطع حلوى ، وفرحت الارض و نثرت كما ينثر القمح بالحقول واطلق الجميع العنان لفرحه قادمه لامحال ورفعوا اكفهم بالدعاء والسنتهم تلهج بالشكر والحمد وفرحه لم تبارح مكانها كما الاعياد الماضية . وببراتهم المعهوده زين الصغار طرقات المنطقة ترحيبا وفرحا منهم بقدوم العيد وارتدوا تلك الملابس الناصعه مثل قلوبهم التي تشع بياضا وهم محملين بالاعيبهم التي يتشاكسون بها هنا وهناك .
ساحة العيد
تحت أجواء يلفها الود والسكينة ، وقلوب لاتنضح عن ذكر الله احتشد اهالي *” الموتة “* *و”بيكة”* في الباحة التي خصصت منذ عهد بعيد لإداء صلاة العيد والتي اعتادوا عليها منذ نعومة اظافرهم حيث تعد الساحة الاكبر في المنطقة وسط ترقب منهم للامام الذي يؤم بهم صلاة العيد ، وكانو يردودون ” الله اكبر .. الله اكبر . لا إله إلا الله . الله اكبر ولله الحمد ” وما إن جاء الامام لمكان ” العيد ” حتى وقف جميع المصلين في صف واحد كالبنيان المرصوص وذلك لتأدئة صلاة العيد .
ماذا قال امام القرية ؟
اما امام القرية الشيخ حاتم مختار بدأ خطبة العيد هو ينصح المصلين بمواصلة صلة الرحم، داعيا المصلين لنبذ الكراهية والتشاحن فيما بينهم حيث قال “إن هذا اليوم يوم عيد و يوم فرح وسرور وعلى الجميع ان يفرح ويستبشر خيرا بذات اليوم” وقال حاتم “إنكم كنتم في شهر رمضان تعبدون وهنئيا لكم بصومكم سأئلين الله أن يتقبل الصيام والقيام من الجميع ” لم يكتف امام القرية بهذا النصح والارشاد لإهالي القرية بل عرج نحو منحا اخر وهو جائحة كورونا حيث قال عنها ” ابتلاء من عند الله ، وأن ذات الفيروس هو جند من جنود الله ارسله للعباد ليخبرهم بأنه هو المسيطر في هذا الكون” ، داعيا المصلين للإتعاظ من هذا الفيروس ، وأن تصلح الناس اعمالها وترجع وتتوب إلى الله . وما إن انتهى امام القرية من خطبته حتى تعانق الجميع وسط تبريكات بالعيد مهنئين بعضهم البعض باثوابهم البيضاء كما النوارس ، لكن رغم ذلك فإن هنالك من كان يحذر من المصافحة والسلام لجهة إنه ناقل للفيروس حيث هم أحد المصلين وقام بأخذ مكبر الصوت قائلا ” يا جماعة كل عام وانتم بخير ” في إشارة منه لمنع التصافح والسلام ، وبطريقة عفوية منه محاولاً تذكيرهم بخطورة الفيروس للمرة الأخيرة .
عيدية الصغار
في المقابل فإن نساء القريتين اللائي جاهدن في اعداد الموائد في شهر رمضان ورغم تعبهن في هذا العمل الكبير ، الا ان ذلك التعب لم يمنعهن من الخروج وتبادلن المحبات وهن يرتدين ازهى ازيائهن وحليهن ، وكان اللون الابيض هو السائد لهن كالمعتاد ، ضاربين الارق والتعب الذي جاهدنه في تهيئه المنازل للعيد من نظافه وغيرها بعرض الحائط ، وتجولن وهن يغمرن المكان محبه ونثرن البهجه والحنان الفطري ، وسارعن للترحيب بالصغار وطبعن “القبل” على تلك الخدود الصغيره لفلذات اكبادهم ، ومنهم من نال نصيبه الاوفر من ما يعرف ” بالعيديه” ، مخلفين وراءهم المرح الطفولي ويقفزون كجدي الغزال الذي يمرح في المرعي ، واصبح المكان ساحه للفرح والبهجه والسرور ، وبدا الجميع ضاحكا حتى بانت نواجذه ، وتراقصت سنابل الاشجار بفعل الرياح العابره الممزوجه برزاز الامطار التي ارتسمت على جباه الكل .
متانة العلاقات
الدكتور يوسف مهدي استاذ جامعي وينحدر من القرية قال ، إن العيد في المنطقة ليس معقد بيد أنه بسيط لجهة أن كل اهل المنطقة يجتمعون في ساحة عامة وبعد صلاة العيد يتصافح الجميع بمؤدة ورحمة ، بجانب أن كل شخص منهم يطلب من الاخر ” العفو والصفح ” وأن يدعوا للأخر بالامنيات السعيدة ، مؤكدا في الوقت ذاته أن هذه الصفات هي من جعلت متانة العلاقة بين جمع أهل القرية قوية ، ولفت مهدي إلى أن بعض أهل المنطقة وبعد صلاتهم العيد يتحركون في مجموعات – سواء كانوا اصدقاء او تربطهم صلة – لكي يزورون المنازل ويتفقدونها ويباركون العيد لإهل الديار . وقال يوسف مهدي ، إن التكافل الاجتماعي في المنطقة يظهر أكثر عند مناسبات الافراح والاطراح حيث -بحسب يوسف- فإن هذه المناسبتين تجد كل اهل القرية يقفون معك لجهة أنهم يقدموا لك كل ماتحتاجه ، وتابع ” مثلا إذ عندك كره او حزن مثل الوفاة تجدهم يقفون معك أبتداء من تجهيز الميت إلى تشيع مثواه وإلى دفنه والصلاة عليه وبعد هذا كله تجدهم يشدؤون من أذر الميت لجهة أن كل فرد من القرية يأتي إلى مكان العزاء وهو يحمل وجبته سواء كان وجبة إفطار او غداء او عشاء ” ويواصل مهدي ” بالاضافة للتكافل الاجتماعي هذا هنالك التكافل المالي والذي يتعارف عليه اهل المنطقة او بما يسمى ” الكشف ” او الصندوق المالي وهو دعم لآسرة الميت إذ تجمع في صندوق لإسرة الميت وذلك بغرض مساعدتها ، واصفا هذه الصفات با الجميلة حيث يتميز بها كل اهل المنطقة وهذا هو كل مايتعلق بالجانب الاجتماعي بحسب يوسف مهدي .