تقرير- عماد النظيف
تُوشك أزمة سد النهضة أن تفجِّر أزمة بين الدول الثلاث على الانفجار، وذلك بعد أن دخلت فصلاً جديداً من التصعيد والمخاوف، حيث جددت الخرطوم والقاهرة تمسكهما برفض ملء السد قبل التوصُّل لاتفاقٍ بين الأطرف، بينما تصر أديس أبابا على ملء السد بالمياه في يوليو المُقبل حتى لو لم تتوصّل إلى اتّفاقٍ بشأنه مع القاهرة والخرطوم.
وأجمع خبراء بأنّ السودان ومصر لن يسمحا لإثيوبيا بالملء الثاني لسد النهضة، ومن المُتوقّع أن يتم التوجُّه إلى مجلسي الأمن والسلم الأفريقي والتصعيد في هذا الملف.
سياسة الأمر الواقع
حذّرت الحكومة السودانية، من الملء الثاني لـ”سد النهضة” الإثيوبي، قبل التوصُّل لاتفاق مع مصر وإثيوبيا، معلنة رفضها سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها أديس أبابا في ملف سد النهضة، والتي تهدد 20 مليون سوداني.
وقال مجلس الوزراء في بيان، إن “السودان لا يقبل بفرض سياسة الأمر الواقع وتهديد سلامة 20 مليون مواطن سوداني تعتمد حياتهم على النيل الأزرق”، وشدد على موقف السودان المبدئي المتمثل في ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يحفظ ويراعي مصالح الأطراف الثلاثة.
خيارات السودان
وقال المهتم بشؤون القرن الأفريقي، والمُختص في قضايا سد النهضة والمياه، ومؤلف كتاب “مدخلٌ إلى القرن الأفريقي”، عبد المنعم أبو إدريس ، إن السودان أمامه خياران، الأول فني: يتمثل في مُعالجة فنية لخزاناته، لكن يبدو أن هنالك ثمة مخاوف فنية، وهناك فريق بوزارة الري والموارد المائية يدرس حالياً في الأمر، لرسم سيناريوهات كيف يتم التعامل في كل الاحتمالات .
وأما الخيار الثاني: تصعيديٌّ وهو أن يذهب السودان إلى مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن والسلم الأفريقي لعقد قمة تقرر في حل الخلاف، وتوقّع أبو إدريس أن يكون الخيار الأساسي هو التفاوض مع إثيوبيا قبل يوليو موعد ملء السد .
لكن مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ومقره مصر، د. أماني الطويل تقول، إنّ السودان ومصر لن يسمحا لإثيوبيا بالملء الثاني لسد النهضة، ومن المتوقع أن يتم التوجُّه إلى مجلس الأمن والتصعيد في هذا الملف، لأنّه حتى الآن لم يثبت الاتحاد الأفريقي فاعلية في التعامل مع هذا الملف.
نجاحٌ كبيرٌ
فيما أعلنت إثيوبيا، اكتمال بناء 76.3% من سد النهضة الذي تشيِّده على النيل الأزرق، ويثير خلافات مع مصر والسودان خشية تأثر حصتهما من المياه، لم تصل المفاوضات الثلاثية إلى اتفاق يضمن مصالح الأطراف كافة بشأن عمليتي الملء والتشغيل.
وقال وزير المياه والري الإثيوبي سليشي بقلي، إن أعمال الإنشاءات التي تم تنفيذها بسد النهضة بلغت 76.3% حتى الآن، وأضاف الوزير الإثيوبي، خلال تقديمه تقرير الوزارة للربع الأول من العام المالي، الذي بدأ في يوليو، أن أعمال البناء زادت بنسبة 2.05% في الربع الأول، عن المخطط له 1.6%، لافتاً إلى أن ذلك حقّق نجاحاً كبيراً من الخطة المُستهدفة.
صراع الحدود
بعد نشوب أزمة بين السودان وإثيوبيا في الحدود، يلاحظ ثمة تشدد إثيوبي مؤخراً في قضية سد النهضة، غير أن أبو إدريس لا يعتقد أن مشكلة الحدود ستلقي بأي ظلال على قضية سد النهضة على الرغم من التطورات الأخيرة، متوقعاً ألا يتطور التوتر بين البلدين، فكلا البلدين – في رأي أبو إدريس – يحتاج إلى الآخر، فالسودان يحتاج للكهرباء الإثيوبية، وإثيوبيا تحتاج إلى السوق السوداني لمنتج الكهرباء، واستبعد أن تتعامل أديس أبابا مع السودان ومصر بالتساوي، وخاصة أن السودان أقر بإنشاء السد معترفاً بحق إثيوبيا في استغلال مواردها المائية، وموقف السودان بشأن سد النهضة لم يتغيّر لأنه ظلّ مبنياً على الآراء الفنية، وحسابات مكاسب وخسائر السودان من السد.
وتختلف أماني الطويل فيما ذهب إليه أبو إدريس وتضيف قائلة: أعتقد أن ذلك من الوارد لأن الحدود المباشرة تسمح للسودان بالضغط على إثيوبيا عبر الحدود، وتعلم إثيوبيا جيداً أن السودان مؤثر قوي في هذا الملف، وخاصةً أنه يمتلك تحالفات تاريخية مع قومية تيغراي وعلاقات مع دول القرن الأفريقي وبالتالي فهو مؤثر قوي.
وكانت وزارة الخارجية السودانية، قدمت اشتراطات جديدة للعودة إلى مفاوضات “سد النهضة” مع إثيوبيا ومصر، مُلوِّحة باللجوء إلى خيارات أخرى.
وأخفق الاجتماع السداسي الذي عُقد في 10 يناير، لبحث أزمة سد النهضة في تحقيق أي تقدم.
وحينها قال السودان، إنه لا يمكن الاستمرار فيما وصفه بـ”الدائرة المُفرغة” من المباحثات الدائرية إلى ما لا نهاية، بالنظر لما يمثله سد النهضة من تهديد، وتؤكد الطويل أن إثيوبيا لن تتمكن من القيام بالملء الثاني للسد، فلن يُسمح لها بذلك على المستوى المصري أو السوداني أو الدولي، لأن مخاطر ذلك عنيفة، حيث يستهدفون ملء 13 مليار متر مكعب بالنسبة لمصر يقدر بخسارة 40 مليار متر مكعب من المياه بالنسبة لمصر، فكيف سنواجه هذا النقص، لذلك لن يُسمح لها بذلك.
واعتبر وزير الدفاع السوداني الفريق ركن ياسين إبراهيم في تصريحات صحفية، أنه لا بد من الربط بين ما يدور في مفاوضات حول سد النهضة وما يدور في منطقة الفشقة، مشيراً إلى أن العامل المشترك في القضيتين هو “المماطلة الإثيوبية .”
الخرطوم تتمسّك
وجدّدت وزارة الري والموارد المائية السودانية، تمسُّكها بمشاركة خبراء الاتحاد الأفريقي في المُفاوضات حول سد النهضة مع مصر وإثيوبيا، وقالت الوزارة في بيان، إنّ السودان بدأ منذ وقت مبكر تحركاً دبلوماسياً “لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته من الوعيد الإثيوبي وتهديده لحياة نصف سكان السودان على النيل الأزرق”، مبينةً أن ذلك يأتي مع تبقي أقل من ستة أشهر قبل أن تبدأ إثيوبيا في تنفيذ خُطتها بالبدء في الملء الثاني لسد النهضة في يوليو المقبل.
وتوجّهت الخرطوم بـ”رسالة خاصة” لإثيوبيا مفادها بأن السودان الذي وقف معها وساندها في حقها ببناء سد النهضة، لن يسمح بملء وتشغيل السد دون اتفاق قانوني مُلزم يؤمن سلامة منشآته وحياة 20 مليون سوداني على النيل الأزرق.