الحركة النسوية السودانية مالها وعليها… حوار الموروث والحداثة

الحركة النسوية السودانية مالها وعليها… حوار الموروث والحداثة
الباحثة سارة عصام للجريدة :

الشاهد أن الحركة النسوية لها جذور تاريخية قديمة في العالم وظهرت للنضال من أجل قضايا المرأة وحقوقها والسودان ليس ببعيد عن تاريخ هذا النضال النسوي وتمثل ذلك جليا إبان ثورة ديسمبر المجيدة وقبل ذلك توجد نضالات المرأة السودانية على مر التاريخ، الباحثة قي العلوم السياسية و العلاقات الدولية والناشطة في قضايا المرأة والتسوية المحلية سارة عصام ماهر تجيب على أسئلة الجريدة فيما يتعلق بالحركة النسوية وما لها وعليها وأثر الموروث والحداثة

*. الصراع الايدولجي للمجموعات النسائية السودانية أضعف قضايا المرأة

*. استعداء الرجل وسب النظام الابوي وتصدير قضايا سطحية لا يمثل جوهر المشكلة

*في المظاهرات والاحتجاجات تشكرونا وفي المفاوضات والمناصب تطنشونا

*

حوار : عيسي جديد

الحركة النسوية حركة ذات جذور قديمة في العالم، كيف تقرئين تطورها والي اي مدى نجحت في التعريف بحقوق المرأة ومتطلباتها؟

تاريخياً مرث النسوية بثلاث موجات رئيسية يمكن وصفها بأنها كانت حلقة تكاملية ،تكمل فيها كل موجة إنجازات سابقتها وتقوم أخطاءها ، الموجة الاولى بدأت في القرن ال١٩ وكرست جهودها للحصول على المساواة القانونية وحق التصويت ، اما الموجة الثانية بدأت في الفترة بين ستينات وثمانينات القرن الماضي وحرصت على تمكين المرأة في المجتمع والحصول على المساواة الاجتماعية ، الموججة الثالثة بدأت منذ تسعينات القرن الماضي وعقد ال ٢٠٠٠ ونشأت في إطار تدارك إخفاقات الموجة الثانية وتصحيح مسارها .
نجد أن النسوية رغم إنقساماتها الكثيرة وتصنيفاتها الحديثة الى نسوية إقتصادية وإجتمتعية ودينية وبيئية وجغرافية وغيرها ، إلا أن معظم التيارات النسوية التي نشأت وفق متطلبات بيئية محددة او ايدلوجية او في إطار جغرافي يحمل نفس المشكلات نجحت في تحقيق متطلباتها أو معظمها إن لم يكن جميعها ، كالنسوية المسيحية ونسوية الجنوب ، حيث كان لهم دور كبير في تحسين اوضاع النساء في المجتمع المسيحي او مجتمع الجنوب بالنسبة لنسويات الجنوب اللاتي انشأن حراكهن كمقاومة للعنصرية وللتحرر من شعارات نسويات الشمال التي لا تتطابق ومتطلباتهن ، وذلك على عكس دور النسوية العالمية العابرة التي تتخذ من النسوية الراديكالية أساس لها وشعارات نسويات الغرب شعارات لهن في إغتراب واضح عن أوضاعهن وواقعهن .

ماهي القضايا المهمة بالنسبة للحركة النسوية عموما؟

النسوية تطورت مع تطور العالم ومجتمعاته واختلفت القضايا على اختلاف الحقبة وتصنيف التيارات النسوية لنفسها فإختلفت الاهداف والاولويات ولكن عموماً هنالك نقاط التقاء أو فكرة عامة التقت عندها الحركات النسوية على اختلافها. اولها تعزيز الاعتقاد بعدم وجود فروق بين الذكور والاناث في الخصائص العقلية النفسية ، كما سعت لتأكيد ان المرأة ضحية لهيمنة الرجل ،وعملت على تصدير قضايا الحقوق الجنسية للمرأة .
سعت التيارات المختلفة الى إحداث تغيير في وصع المرأة على ثلاثة مستويات : على مستوى القوانين من خلال تدشين الحملات والتظاهر والظهور الاعلامي ، ومن خلال التغيير في تطبيق القوانين من خلال التفاوض ، وايضاً التغيير في سلوكيات الافراد انفسهم وفي مواقفهم من خلال ترسيخ قيم المساواة والمواطنة والحقوق خاصة عند الشباب.
وتقدمت في طرح القضايا اكثر من ذلك وطالبت التيارات النسوية بحق المرأة في التعبير عن نفسها والحق في الانتخاب والحق في المشاركة السياسية ، و التحرر من الرق والعبودية والحق في التعليم والعمل وتساوي الاجور ، وظهرت حملات نسوية تدافع عن حقها في الحضانة والإجهاض وحرية الزواج .

هنالك حديث عن أن الهيمنة الذكورية سببا رئيسا في ظهور الحركات النسويةما رايك؟

منذ بدء الخليقة كانت العلاقة بين الذكر والأنثى عرفت على أنها تكاملية بحيث لا يمكن في حال من الأحوال استغناء جنس عن الجنس الآخر لا في العصور الغائرة في القدم، ولا حتى في العصور الوسطية ولا العصور الحديثة، حتى أن معظم مجتمعات العصور القديمة والوسطى كانت السيطرة فيها تميل لجانب المرأة.
في التصور الشمالى أو الغربي للنسوية نجد أن تلك التيارات ركزت نشاطها وقضاياها علي تحجيم سيطرة الرجل وإعادة إبراز المرأة وسيطرتها إجتماعياً وسياسياً وقانونياً والحصول على إستقلالها الاقتصادي وحقها في الاجر مقابل العمل .
في أفريقيا أو التيار الجنوبي عموماً او كما تعرف بنسوية ما بعد الإستعمار كان الوضع يختلف كلياً فتاريخياً سارت النسوية في افريقيا بخطى ثابته نحو زيادة وعي المرأة وأن تحصل على حقها في التعليم والأجر الجيد وتحسين أوضاعها المعيشية ، ولم يكن محاربة الرجل جزء مهم من التحرك النسوي القديم في أفريقيا ، المرأة الأفريقية عموماً لعبت دوراً هاماً في بناء المجتمع الأفريقي ، فعلى اكتافهن قام المجتمع الزراعي الذي على أساسه كانت تتألف المجتمعات بل وعلية تبنى الحضارات وتحركاتها ، وكانت شريكة للرجل في نشاطاتة .
مقابل ذلك كانت الحركة النسوية الراديكالية تذهب إلى نقد الهيمنة الذكورية في مختلف المجالات: الاجتماعية والدينية واللغوية وغيرها وتأخذ منحى المساواة مع الرجل ونقد مفهوم تنشئة المرأة، والسلوكية الجنسية الدونية للمرأة وإخضاعها لمفاهيم الموضة، والحقوق الوطنية والعملية، والبعض من الباحثات يبحثن عن وجود نبيات أو فيلسوفات في مقابل الأنبياء أو الفلاسفة الرجال في العصور القديمة؛ لأن الأديان والفلسفات القديمة في وصف هذه التيارات كانت ذكورية الطابع.

السودان ليس ببعيد عن حراك الحركة النسوية العالمية، لكنها خضعت لعدة ايدولجيات ولم تتحرر منها برأيك لماذا؟

التحرر طالما كان نتيجة لمقاومة ، لا يمكن التحرر من شيء دون مقاومتة سواء بوسائل ناعمة او وسائل مباشرة ، هذه الايديولوجيات لم تتعرض لنقد موضوعي أو مقاومة كافية لمجابهتها ، انما استمرت عملية نسخها ولصقها بكل ما تحوي من افكار وتوجهات وشعارات كما هي وتمدد وجودها في نطاق جغرافي اوسع دون ادنى مجهود تحليلي او تفسيري لخلفيتها ، وذلك ما يجعل ظهور حراك مقاوم وفقاً لايديولوجيا مقبولة محلياً امر ضروري بدلاً عن الخوض في غمار التكرار باعين معصوبة لا تدري اشر اريد بها ام اريد بها نفعها .
كل التيارات النسوية التي نشأت تمتلك فكر وايديولوجيا خاصة بها هذه الايديولوجيات احالت القضايا و الاهداف الاساسية والهم النسوي الى اجندة سوداء احياناً يصعب حتى التعاطي معها او قبولها تحت اي اطار او مبرر ،وتحول التوجة من المطالبة بحقوق المرأة الى تطبيق الايديلوجيات في الفكر النسوي بل وظهرت تنظيرات غير مقبولة كالتنظير للفكر المثلي عبر تيار النسويات المثليات ، حيث رأى هذا التيار ان التمييز بين الزجل والمرأة اساسه جنسي ولهذا يجب قطع جذور المشكلة ، لذلك مقاومة مثل هذه التنظيرات هو ما يؤدي لاحقاً لعملية تحرر .

برز في السودان مصطلح الحركة النسوية المحلية ما اصل هذا المصطلح ولماذا محلية؟

الحركة النسوية كما هو معلوم مرتبطة بمجموعة من النظريات الإجتماعية والسياسية والفلسفات الاخلاقية التي تتحرك وفق دوافع مختلفة متعلقة بقضايا المرأة ، وجاء مصطلح المحلية نسبة لمحلية القضايا التي يتبناها الحراك متمثلة في القيم والمعايير والاهتمامات المشتركة التي يجتمع عليها المجتمع المحلي .
فيما يخص السؤال عن لماذا محليته ؟ فذلك يأتي في إطار محاولة تقديم تصور يخدم متطلبات وقضايا النسوية في السودان بعيداً عن إستلاف المنجز الغربي والشعارات الغربية التي لا تتناسب والواقع السوداني نسبة للفروفات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، السودان في الوقت الحالي بعيد كل البعد عن متطلبات تلك المجتمعات ، فنحن مازلنا نبحث عن حلول لقضايا تجازها العالم منذ عشرات السنين ، لذلك تقديم هذا الحراك في إطار محلي هو امر لابد منه لتخفيف المصادمة بين مفهوم النسوية وقضاياها مع المجتمع ولتقديم نموذج نضال جماعي لا نسوي يتساوى فيه الجميع في الاهتمام بالمرأة كشريحة مهمة في بناء المجتمع مع استصحاب القيام بنقد للثقافة المحلية نفسها وللتأويلات الدينية التي قُدمت في طابع مشوه لا يشبه قيم الاسلام ، والسعي عبر هذا الحراك المحلي لإيجاد حلول اصيلة نابعة من المجتمع السوداني وخبراته بعيداً عن استعداء الرجل وسب النظام الابوي وتصدير قضايا سطحية لا تمثل جوهر المشكلة .

هنالك منظمات مدنية نسوية متعددة في السودان، لكن رغم ذلك مازالت المرأة السودانية تعاني في كثير من القضايا المتعلقة بالحقوق والقوانين برأيك لماذا المعاناة؟

ضعف نسبة المشاركة في الحكومة هو ما أضعف وقلل من نسبة الإهتمام بقضايا المرأة وذلك لوم نلقيه على حكومة الفترة الإنتقالية التي وعدت بمشاركات نسب كبيرة واهتمام بقضايا المرأة وذهب كل ذلك ادراج الرياح وتمحور الاهتمام حول قضايا سطحية تجاوزها المجتمع مثل ختان الاناث ، حتي المنظمات النسوية المدنية نجد أن تحركاتها لا تؤتي اكلها بسبب حصر هذه المنظمات لمشاكل المرأة في التحرش واستبداد النظام الابوي ومجابهة تقييد حرية الملبس كل ذلك يجعل امر حقوق المرأة امر مبتذل لا يرتقي للنظر اليه في ظل دولة يكافح كل شرائحها من أجل ابسط الحقوق من علاج وتعليم وعمل بأجر مجزي ذلك ما يجعل معظم القوانين المجحفة للمرأة سارية المفعول فالقضايا التي تتبناها هذه المنظمات غالباً قضايا لا تعكس جوهر المشكلة الحقيقية للنسوية في السودان بل تكرس جهودها في اتجاه معاكس يجلب مزيد من العداوات باعتبار أن الرجل عدو لا شريك وكذلك محاولات تغيير التركيبة المجتمعية من التركيبة الترابطية الجماعية للفردانية ، كل ذلك لا يخدم المشكلة السودانية في شيء فالمجتمع يحتاج لكل من هو قادر على خدمة القضية لا مزيد من الاتهامات والاستعداء.
السودان بوصفه رقعة جغرافية كبيرة يحتوي على كثير من الثقافات والعادات المتباينة ، لذلك كان على هذه المنظمات ونشطاء حقوق المرأة الخروج من قوقعة التقليد الاعمى لشعارات لا تشابه الواقع الى ساحة محلية تقوم بابحاث ودراسات واحصاءات على اسس علمية توضح جذور المشكلة وتراعي التنوع الثقافي للمجتمع وتستصحب قيم الدين والاخلاق ، حيث ان معظم النساء في الاقاليم لا ينظرون للرجل على انه عدو ذكوري متسلط بل غالباً يقوم المجتمع الريفي على اسس الشراكة والترابط والتراحم ، لا يمكن ان نخاطب مثل هذه المجتمعات بتصدير خطاب مغايير واقعها قد لا تقدر على استيعابه وتستهجنه كما هو الحال الآن في نظرتهم للنسوية الليبرالية .
لذلك لا يمكن ان نعتمد خطاب يجافي اسس المشكلة ونطالب أن نتلمس نتائج ايجابية على الواقع .

الصراع الايدولجي نجد أثره واضح مابين المدارس المختلفة للتسوية عامة وإذا اسقطنا ذلك على الحركة النسوية في السودان نجده واضحا مابين اللبراليات والاسلاميات والشيوعيات وهكذا، هل هذا يفيد واقع المرأة ام يضر بها؟

الصراع الايديولوجي الذي تسألت عنه في حالة السودان يميل الى وصفه بانه أضعف القضية ، فكل جماعة تحاول كسب الرهان وادلجة القضية وفقاً لما يتناسب مع مع رؤيتها حتى ابتعد الحراك في السودان عن المسار المراد له خدمته والعمل عليه وتغرب تغريباً كاملاً عن الواقع .
كان يمكن الاستفادة من هذا التنوع في التوجهات إذا كانت خدمة قضية المرأة هو الاساس الذي تنطلق منه هذه التوجهات على اختلافها الا انهم اختاروا تحويل الامر الى صراع شد وجذب كل لصالح رؤيته .
اخيراً نعود للتركيز على ضرورة الوصول لرؤية محلية ننطلق منها لتلافي الصراعات الثقافية والايديلوجية ، يكون الاساس فيها هو حوجة المجتمع نفسه لا اجندة معدة مسبقاً نستصحب فيها ثقافتنا وقيمنا المحمودة لا ما يملى علينا .

الثورة السودانية لعبت فيها المرأة دورا كبيرا في نجاحها، لماذا حتى الآن لم تنجح المرأة ببعد الثورة في المشاركة الفعالة في القرار والتغيير!؟

مشاركة المرأة السودانية في الثورة لم يكن امر جديد أو ظاهرة جديدة او حادثة استثنائية ، فقد برزت مشاركتها السياسية بمقاومة الحكم المصري وبرزت عدة اسماء في تلك الفترة كرموز وطنية للمقاومة منهن مهيرة بت عبود ، ولعبت المرأة السودانية دورها من خلال حرصها على المشاركة السياسية وتحركها المستمر لانتزاع حقوقها في مواجهة منظومة السلطة السياسية والاجتماعية ، وشاركت في كل فترات التحول السياسي والتاريخي في السودان رغم محدودية فرص التعليم واحتكار الرجال للساحة السياسية ، وايتر نصالها من اجل حقوقها حتى نالت حقها غي التصويت والترشيح وتوالت ارتفاع نسب المشتركة السياسية لتشكل الناخبات ما يفوق ٦٠% ، ومنحت القوانين نسبة ٣٠ % للنساء في المجلس التشريعي .
منذ بداية الثورة كانت المرأة السودانية واضحة في متطلباتها إذ أطلقت حملة ” نساء السودان للتغيير ” في محاولة لفرض وجودها في المرحلة الانتقالية ، وانطلقت حملات مثل حملة ” خمسين” التي تطالب بالتساوي في المشاركة بنسبة ٥٠ % في هياكل السلطة التنفيذية والتشريعية ، الا ان السلطة الانتقااية خفضت النسبة الى ٤٠ % ورأت أن ذلك اكثر معقولية ، لذلك نجد ان عدم المشاركة الفعالة لها في صنع القرار والتغيير لا يعود لقلة كفاءتها أو عدم رغبتها في الوصول لمراكز صنع القرار وإنما نتيجة لتحجيم مشاركتها حتى من قبل حكومة ما بعد الثورة ، واقامت النساء عشرات الحملات والوقفات الاحتجاجية للمطالبة بمشاركة فعالة ومتساوية خاصة بعد الثورة ورفعت شعارات إمتعضت فيها من سلوك حكومة الفترة الانتقالية وتقليلها للنسب المقترحة للمشاركة النسائية منها شعار ” في المظاهرات والاحتجاجات تشكرونا وفي المفاوضات والمناصب تطنشونا ” .!!
اخيرا… لقد كتبت مقال َن ثلاثة أجزاء عن النسوية مابين الموروث والحداثة حدثنا عن ذلك باختصار من واقع النساء في السودان الان والمجايلة بين نساء الأمس وشابات اليوم؟

سلسلة مقالات النسوية بين الموروث والحداثة باجزاءها هدفت لوضع مقدمة تاريخية لمفهوم النسوية في الصياغ الاقتصادي والاجتماعي والثافهي وحتى النسويات اللاهوتية والانطلاق من هذا الاطار التاريخي لوضع اسس محلية قادرة على نقد النسوية العالمية مصححة للاخطاء التي وقعت فيها التيارات النسوية على مختلف توجهاتها .
في النطاق المحلي نسعى لتكوين حراك ممتد لا يقطع الصلات مع جيل الأمس يستصحب تاريخة وموروثة الجيد ونقد الخاطيء منه وتصويبة للخروج بتجربة جديدة نستفيد منها نحن الشباب بما يشابة بيئتنا وامتدادنا التاريخي .!!

Exit mobile version