المصدر : الانتباهة
ضربت صاعقة شق دويها جنبات قاعة محكمة مخالفات الأراضي في الديم بالخرطوم برئاسة قاضي الاستئناف عمر ابوبكر محمود ، والمنعقدة لمحاكمة النائب السابق للرئيس المعزول عثمان محمد يوسف كبر وابنته ومدير مكتبه السابق ،على ذمة مخالفات مالية بحساب رئاسة الجمهورية بنحو أكثر من (41) مليون جنيه سودانى ، عندما أعلنت المحكمة عن اختفاء مستند اتهام (9) يحوي (49) مستندا عبارة عن صكوك مالية كانت موجودة داخل أحد عشر ظرفا ورقيا قدمها المراجع في جلسة سابقة لقاضي المحكمة وتم التأشير عليها كمستندات اتهام (9) وتتعلق بملف القضية وتصرفات مالية لكبر خلال فترة توليه منصب نائب رئيس الجمهورية ، وذلك عندما استفسر محامي الدفاع شاهد الاتهام الثاني المراجع حول مستندات الاتهام المختفية ومدى ارتباطها بقضية دفاعهم الحقيقة بحد تعبيره .
إجراءات أمنية
بدأت عقارب الساعة تشير الى التاسعة من صباح يوم أمس وكان الهدوء يضرب ردهات محكمة مخالفات الأراضي الديم شرقي العاصمة الخرطوم ولا يسمع فيها الأصوت (مراوح السقف ) التي كانت تتحرك بسرعة منخفضة ربما لبرودة الأجواء ، الى جانب (همهمات ) تخرج في شكل متحرك من خلف (كمامات) الحضور من المحامين وأصحاب الدعاوى المختلفة وهم جالسون على مقاعد الانتظار بالمحكمة ، بعدها مرت الدقائق متثاقلة حتى جاءت الساعة الحادية عشرة حينها ضجت المدرجات المؤدية الى القاعة الكبرى بالمحكمة وقتها ظهر النائب السابق للرئيس المعزول عثمان محمد يوسف كبر وسط حراسة شرطية مدججة بينهم من يحمل سلاح الكلاشنكوف وهو يلوح الى جهة مقاعد المنتظرين بالمحكمة حينها تبين بانه يقرئ السلام لابنته وعدد من ذويه ، وبعدها بدأت اجراءات الدخول الى قاعة المحكمة في وضع صحي مشدد وإلزام الجميع بارتداء الكمامات الصحية ووضع المعقمات الطبية مع اتباع الإرشادات بالجلوس في شكل متباعد بين الحضور جميعا على ان يجلس كل شخصين على (بنش ) اي مقعد واحد ، ومن ثم انطلقت إجراءات محاكمة المتهمين بصورة عادية بمواصلة سماع شاهد الاتهام الثاني المراجع بديوان المراجعة القومية.
قسم
في ذات السياق أقسم للمرة الثانية بان يقول الحق لا سواه شاهد الاتهام الثاني المراجع بديوان المراجعة محمد إبراهيم محمد أحمد ، وقال عند استجوابه بواسطة ممثل دفاع المتهم الاول (كبر ) بان خبرته العملية في أعمال المراجعة تمتد لـ(17) عاماً وان انضمامه لديوان المراجعة القومية كان منذ العام 2013م .
فيما فجر شاهد الاتهام الثاني المراجع مفاجأة داوية كشف خلالها بانه ليس خريج محاسبة او متخصص فيها وليس حاصلاً على عضوية وزمالة مجلس تنظيم المحاسبة ، مؤكدا بانه دارس وخريج للقانون ،مشيراً الى انه التحق بديوان المراجعة وفقا لنص المادة (28) من قانون ديوان المراجعة القومي التي لم تشترط دراسة المحاسبة للالتحاق بأعمال المراجعة بالديوان ، منوها الى ان المادة (3) من قانون المراجعة التي تنص على التخصصية تعني التخصص في المراجعة وليس المحاسبة .
قوانين ولوائح
وحول إجراءات البلاغ افاد الشاهد للمحكمة بانه تم انتدابه من رئيس قطاع بديوان المراجعة عفاف الشريف ، للقيام برفقة تيم من المراجعين بالديوان لمراجعة حسابات مكتب أعمال النائب السابق للرئيس المعزول عثمان محمد يوسف كبر ، مبيناً بانه كلف بعد أعمال المراجعة بإعداد وكتابة تقرير المراجعة المبدئي والنهائي حول الحسابات ، لافتا الى انه اطلع قبل الخوض على أعمال المراجعة على عدة قوانين بعضها يذكرها مثل قانون الاجراءات المالية والمحاسبية ولوائحه ، اضافة الى اطلاعه على قانون مخصصات المؤسسات الحكومية وقانون المراجعة ، وأضاف بقوله : (ان هناك قوانين اطلعت عليها ايضا ولكني لا أذكرها- بحد تعبيره )، موضحا بانه دلف في أعمال المراجعة مستندا للقوانين والضوابط اضافة الى المستندات التي تم تقديمها له بواسطة المتهم الثالث المدير السابق لمكتب (كبر) ،مشيرا الى ان المادة (8) من قانون المخصصات للمؤسسات الحكومية تشير الى ان المتهم الاول بوصفه النائب السابق للرئيس المعزول لديه حق في السكن الحكومي .
اعتماد مستند
وتقدم ممثل الدفاع عن المتهم الاول للمحكمة بمستند عبارة عن خطاب صادر من المراجع القومي لجمهورية السودان معنون لرئيس قطاع بديوان المراجع عفاف الشريف ، لتكليفها بمراجعة حسابات (كبر ) برئاسة الجمهورية ، في المقابل اعترض ممثل الاتهام وكيل أعلى نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية أسامة الحارث ، على المستند المقدم من دفاع الاول – معللاً الى انه سبق وان تم تقديمه بمحضر المحاكمة كمستند اتهام ، من جهته حسم قاضي المحكمة الجدال القانوني بين الاتهام والدفاع ، وقرر إرجاء اعتماد المستند والتأشير عليه كمستند دفاع اول عن المتهم (كبر) في الدعوى الجنائية لحين مراجعة محضر المحاكمة بوجود المستند اتهام من عدمه.
مستندات صرف
في ذات الوقت نفى شاهد الاتهام الثاني المراجع مخاطبته المتهم الأول (كبر) لمده بمستندات حول تصرفه في مبلغ (38) مليون جنيه من الحساب الخاص برئاسة الجمهورية ، وأردف بقوله (لم اطلب من كبر إبراز المستندات حول ذلك) ،ثم اضاف قائلاً : (يمكن تكون موجودة بطرفه المستندات )، لافتا الى انه اكتفى فقط بمخاطبة المتهم الثالث لمده بمستندات صرف الاول (كبر) لتلك المبالغ محل الدعوى باعتباره مدير مكتبه السابق ومسئولا عن حسابات الشيكات الخاصة به .
متبقي نثرية
وكشف المراجع للمحكمة عن دخول مبلغ (1.2) مليون جنيه الى الحساب الخاص بالمتهم الاول (كبر) ببنك النيل للتجارة والتنمية عبارة عن متبقي نثرية مأمورية زيارة المتهم الأول كبر لولاية جنوب دارفور ، واعتبر المراجع دخول مبلغ النثرية لحساب كبر الخاص مخالفة – لاسيما وان المبالغ صادرة من حساب حكومي تابع لرئاسة الجمهورية مما يعني صرفه فقط في الشئون الحكومية ، وكشف المراجع بوصفه شاهد اتهام ثان عن معلومات خطيرة تفيد بانه وبالمراجعة اتضح توريد مبلغ (500) الف جنيه الى حساب خاص بشخص لم يضمن كمتهم في اجراءات الدعوى الجنائية ببنك النيل للتجارة والتنمية فرع السجانة ، مبينا بان مبلغ هذا الشيك تم تظهيره بواسطة المتهم الثالث ولم يورد في حساب المتهم الأول (كبر) ، في ذات السياق كشف المراجع عن توريد مبلغ(1.5)مليون جنيه صادر من الحساب الخاص لرئاسة الجمهورية ببنك ام درمان الوطني الى الحساب الخاص بالمتهم الاول بالبنك الزراعي فرع حلة كوكو .
مستندات مفقودة
بعد انقضاء ساعة كاملة ونيف من الدقائق اشتد وطيس سير جلسة المحاكمة من خلال توجيه محامي دفاع المتهم الاول (كبر ) اسئلته النارية لشاهد الاتهام الثاني المراجع يستفسره عن كل شاردة وواردة حول تقريره للمراجعة المتعلق بكبر ، حينها جاءت المفاجأة الصاعقة عندما سأل محامي دفاع المتهم الأول المراجع عن مجموعة مستندات اتهام تتعلق بصرف المبالغ موضوع الدعوى والشهور التي صرفت فيها ، حينها التمس المراجع من قاضي المحكمة مده بتلك المستندات التي بطرف محضر المحاكمة – لاسيما وانه قام بتقديمها في الجلسة الماضية وتم التأشير عليها كمستند اتهام رقم (9) عبارة عن احد عشر ظرفاً مفصلة فيها صرف (17) شيكا من الحساب الخاص برئاسة الجمهورية والشهور والأيام التي صرفت فيها ، في المقابل أمر القاضي حاجب المحكمة الشرطي بتسليم المستندات للمراجع لكي يرد من خلالها على اسئلة دفاع المتهم الاول – الا أن المفاجأة كانت داوية عندما كشف الشرطي بان المستندات المطلوبة ليست موجودة مع بقية مستندات الاتهام طرف المحكمة، وأضاف قائلاً : بان جميع مستندات الاتهام في القضية التي قدمت بواسطة المراجع في الجلسة السابقة هي امامه (الآن) وبمنضدة المحكمة ، فيما شدد المراجع بانه قدم لقاضي المحكمة كل المستندات للاتهام والمتعلقة بمراجعة صرف المبالغ محل الدعوى الجنائية في الجلسة السابقة ، واردف بقوله ( كنت شايل مستندات المراجعة في كيس بلاستيكي وسلمتها كلها للمحكمة وشلت كيسي فاضي وانا متأكد من كلامي ده مليون في المائة ) ، حينها شرع قاضي المحكمة على وجه السرعة في تفتيش ومراجعة ملف أوراق المحاكمة بالكامل وظل يقلبه يمنة ويسرى إلا انه لم يعثر على تلك المستندات المطلوبة ،حينها وجه شرطة المحكمة بمساعدته في العثور على تلك المستندات إلا انهم ايضا لم يعثروا عليها ، حينها أفاد القاضي بانه وبحسب محضر المحكمة فان مستندات الاتهام بالفعل قدمت وتم التأشير عليها مستندات اتهام (9 ) .
دهشة النيابة
بالمقابل نهض ممثل الاتهام وكيل أعلى نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية أسامة الحارث، من مقعده وبدت عليه علامات الدهشة ووجه تساؤلاً مباشراً لممثلو دفاع المتهمين فحواه هل صورتم جميع مستندات الاتهام في الدعوى الجنائية ؟ حينها أجابوه بنعم إلا انهم لم يصوروا مستند اتهام رقم (9) ، حينها لم يقف ممثل الاتهام عند ذلك بل استفسرهم سريعاً كيف لم تصوروا مستند اتهام (9) مع بقية المستندات ؟ حينها أجابه ممثل دفاع المتهم الاول بانهم ليسوا في حاجة لتصوير مستند اتهام (9) لأنه لديهم صورة مسبقة من المستند حصلوا عليه من المتهم الثالث في السابق ، وقتها استخرج ممثل دفاع المتهم الأول حزمة من مستندات من داخل ظرف بلاستيكي وعرضها على المحكمة واحدة تلو الاخرى وافاد بانها ذات المستندات التي تحصلوا عليها من المتهم الثالث .
رفع الجلسة اضطرارياً
في ذات السياق أمر قاضي المحكمة برفع جلسة المحكمة لـ(20) دقيقة حتى تتم مراجعة محضر القضية وأوراق ملف الدعوى كاملة للعثور على تلك المستندات ، وبالفعل خرج جميع الحضور من داخل قاعة المحاكمة وظلوا منتظرين أمام قاعة المحكمة بالخارج ،حينها رصدت (الإنتباهة) حاجب المحكمة يجري اتصالاً هاتفياً وهو يترجل من مدرجات المحكمة الي الطابق الأسفل ومن ثم عودته بعد دقائق لداخل قاعة المحكمة وحينها طلبت السلطات العودة الى داخل قاعة المحاكمة لاستئناف الجلسة إلا ان القاضي أعلن لهيئتي الاتهام والدفاع بعدم العثور على مستندات اتهام (9) مما اضطره الى رفع جلسة المحاكمة الى حين البحث عن تلك المستندات المفقودة وحدد جلسة اخرى حددها في الثلاثين من الشهر الجاري .
في ذات الوقت كشف شاهد الاتهام الثاني المراجع بديوان المراجعة القومية للمحكمة بان لديه نسخة من جميع مستندات المراجعة من بينها المستندات المفقودة ، حينها طلبت منه المحكمة إحضار تلك المستندات في الجلسة القادمة.
في سياق مغاير أفاد ممثل دفاع المتهم الأول للمحكمة بان لديه سفرية وصفها بـ(القصيرة) ، والتمس من المحكمة تحديد جلسة بعد أسبوعين .