
أطياف
صباح محمد الحسن
طيف أول:
أراني أدنو من مولد حلمك،
أعرج إليه في لحظة صحو،
أمعن في نفس الحلم كي يعيش بين مغمضتين،
دون أن يعترف الخوف،
ودون أن يتمخّض الليل دهشته،
فيهلّ الصباح.
وبدأت الأخبار بالأمس تكشف أن ولايتي الشمالية ونهر النيل هما الهدف القادم في مسلسل الفتنة من حرب “الكرامة الثانية”، التي ستشعل شرارتها فلول النظام البائد، والتي تبدأ بترويع المواطنين بأن الشمالية ستكون عرضة للهجمات العسكرية، ومحاولة أيضًا خلق فتنة بين الحركات المسلحة والمواطنين. وهذه بداية خطاب الفتنة الذي استبقت به الفلول الانقلاب، وبعدها استخدمته لقطع الطريق أمام التوقيع على “الإطاري” عندما استغلت إنسان الشرق.
وأخيرًا كان هذا هو أسلوبها وأداتها التي أشعلت بها الحرب حتى جرّت طرفاها إلى الميدان.
لذلك، فمن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة عدم استقرار واضح في مدن الشمال، سواء عبر اشتباكات على الأرض أو إرسال مسيّرات مجهولة إلى مواقع مهمة. فشرارة الفتنة في الشمال الآن تنذر بكتابة تاريخ جديد في الحرب إن لم يتم تلافيها بقرار من القيادة العسكرية يقضي بخروج القوات المشتركة من هذه المدن، لأن فلول النظام تعمّدت صناعة هذا الميدان الثاني لتستخدمه في نهاية الحرب إن فشلت مراميها في الوصول.
ولهذا وقّعت مع الحركات المسلحة للمشاركة في الحرب باتفاق سياسي، وليس اتفاقًا عسكريًا، لذلك قد ترى قيادة الحركات أن وجود قواتها في الشمال هو جزء من وجودها في السلطة حسب اتفاق المنصب والمال. ولو حاربت المشتركة باتفاق عسكري لخضعت للأوامر العسكرية المتعلقة بالتقدّم والانسحاب، ولكان قرار نقلها سهلًا إلى ميدان الحرب بدارفور. فليس من المنطق أن تبقى هذه القوات في المدن الآمنة وميدان الحرب في دارفور تشتكي فيه القيادات على الأرض من نقص السلاح والرجال. هذه معادلة مختلّة!! والفلول تعمل الآن على تهيئة مناخ الفتنة في شمال السودان لبداية مرحلة جديدة من حرب الكرامة، وهي فتنة الوداع لعلمها أن الحل يطوّقها من الخارج لذلك تحاول العبث بالداخل.
وإن لم يتدارك البرهان الأمر، فسيتحوّل الشمال إلى ميدان حرب موازٍ بين الحركات المسلحة والمواطنين المسلّحين، بجانب الكتائب الإسلامية المتفلّتة. ولو أن البرهان لا يستطيع أن يصدر قرارًا بإخراج هذه القوات، فيجب أن يتولّى الأمر مني أركو مناوي، ويقوم بسحب قواته من الشمال، حتى وإن لم يرد إرسالها إلى ميدان القتال بدارفور، فالمهم أن يجنّب الشعب مواجهة خطر جديد.
فالفلول تقوم بالتخطيط لهذه الفتنة ردا على قبول البرهان للحل الدولي، لذلك فإن المسرح من الآن وحتى إنزال الحل الدولي على الأرض سيكون ملكًا للطرف الثالث الذي سيمارس كل أنواع العنف والفتنة لتعمّ الفوضى.
فتحركات البرهان الذي زار مصر وتركيا كلها تحركات لتهيئة الميدان للحل وليس لتغذيته، فأمريكا وضعت حدًا لحلفاء الجيش والدعم السريع بضرورة عدم دعم الميدان. لذلك البرهان الآن يطوف بين حلفائه لتمليكهم الحقيقة: أنه لا خيار سوى قبول الحل الدولي طالما أنه ليست له سيطرة على الميدان ولا قدرة على الحسم. ومعلوم أن في مثل هذه الحقائق أول الذين يتم تبصيرهم هم الحلفاء.
ولهذا قالت مصر إنها لن تسمح بالمساس بأمنها القومي؛ لأنها أدركت أن البرهان فقد سيطرته على الميدان، وأنها وريثما يأتي الحل تخشى على أمنها، لذلك قد تتقدّم لحماية حدودها فقط، ولكن لن تتجاوز ذلك بالدخول إلى ميدان الحرب، فليس من صالح أي طرف الزج بنفسه في حرب نتائجها خاسرة. فكل تقدّم نحو الميدان لا يخدم الأرض، وليس فيه مصلحة لدول الجوار، ولكنه سيخدم بطريقة غير مباشرة المحاور التي تسعى للسلام؛ لأنه سيعجّل بالحل الدولي الذي ينتظر فرصة مناسبة، فتدخل أي طرف خارجي هو عملية استدعاء مباشر لدخول قوات دولية.
ورئيس الوزراء كامل إدريس نفسه من خلال تصريحاته بعد عودته أكّد أن السودان هو المالك لزمام هذه المبادرة، وأن الخرطوم ترفض دخول أي قوات دولية. ولو كنت ضمن الحضور الصحفي لسألت إدريس: هل أخبرك المجتمع الدولي أنه سيرسل قوات دولية إلى السودان؟ لأن رفض الحكومة لدخول قوات دولية قبل الإعلان عن دخولها من الولايات المتحدة الأمريكية أو مجلس الأمن هو تصريح للتأكيد وليس للنفي!! فهل ما يحدث من تحركات إقليمية وتحركات داخلية على أرض المدن الآمنة هو مؤشر لاستمرار الحرب أم نهايتها؟ وهل ستنتقل أمريكا من مربع خطاب السلام إلى خيار التعامل مع الميدان مباشرة لوقف رغبة استمرارها؟ فتهنئة ترامب بأعياد الميلاد “جاءت مفخخة” عندما أعلن عن شن الولايات المتحدة ضربة قوية وقاتلة ضد داعش الإرهابيين شمال غربي نيجيريا، وتابع: “حذّرت هؤلاء الإرهابيين سابقًا من أنهم سيدفعون ثمنًا باهظًا”، مما يكشف أن أمريكا أكدت أن لديها الاستعداد لحسم الإرهاب عسكريًا.
إذن إلى أين ينتقل ميدان الحرب في السودان؟
إلى مرحلة ثانية أم الحل بنهاية المرحلة الأولى؟
ولا فرق في اختلاف الإجابات، ففي الحالتين، أمريكا في طريقها إلى السودان!!
طيف أخير:
تطلق “طيبة برس” ابتداءً من اليوم حملة (صوت السودانيين) من داخل مناطق النزاع ومعسكرات النزوح واللجوء والإيواء، ومن كل مدن السودان، والتي تشتمل على أخبار وتقارير وتحليلات وحقائق ومقالات وفيديوهات وبودكاست وصور تُنشر لأول مرة من الأرض.





