رشان اوشي : كامل إدريس: إليكم مرجعية الدولة و شروطها..

كامل إدريس: إليكم مرجعية الدولة و شروطها..
رشان اوشي

أمام مجلس الأمن الدولي، قدّم رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس رؤية الحكومة السودانية للسلام، التي تتكئ بوضوح على اتفاق جدة بوصفه الإطار السياسي الوحيد الذي حاز على اعتراف دولي، وجرى توقيعه بوساطة أمريكية–سعودية، في سياق إقليمي شديد التعقيد.

جاء خطاب رئيس الوزراء تأكيداً على منهج الدولة في إدارة وتعريف الصراع، وبالتالي إعلان الشروط الوطنية التي تشدد على سلام مؤسس على قواعد الشرعية، لا على مناورات اللحظة، ولا على إعادة تدوير الفاعلين في العنف. وفي هذا السياق، كان الغياب اللافت لأي إشارة إلى حوار أو تفاوض مع دولة الإمارات رسالة سياسية بحد ذاتها، تعكس تماسك الموقف الرسمي، رغم الربكة التي أحدثتها تصريحات نُسبت إلى وزيرة شؤون مجلس الوزراء، قبل أن تعود وتنفيها صراحة.

ووفقاً لمعلومات موثوقة، فإن القيادة السودانية، وعلى رأسها الرئيس الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لا تزال تتبنى موقف صارم يرفض أي تواصل مع الإمارات، ما دامت، بحسب توصيف القيادة، منخرطة في تمويل ودعم المليشيات. وهو موقف يعبر عن عقيدة سيادية ترى أن التفاوض لا يمكن أن يتم في ظل استمرار عدوان الإمارات على شعب السودان.

وتؤكد المصادر أن عدة دول صديقة حاولت لعب دور الوسيط بين البرهان و محمد بن زايد، غير أن الشرط السوداني كان واضح وغير قابل للتأويل: وقف الدعم للمليشيا، والاعتراف الصريح بهذا الدور، كمدخل وحيد لأي مسار تفاوضي محتمل. وهو شرط يعكس انتقال الدولة السودانية من محطة إدارة الأزمة، إلى محطة إعادة تعريف قواعد الاشتباك السياسي والدبلوماسي.

وفي هذا الإطار، تكتسب زيارة رئيس الوزراء إلى نيويورك دلالة تتجاوز بعدها البروتوكولي. فالزيارة، بحسب المصادر، تأتي ضمن تحول مؤسساتي مقصود، يتمثل في نقل ملف العلاقات الخارجية إلى الحكومة المدنية، باعتباره ملف سيادي تُديره مؤسسات الدولة، لا مبادرات فردية ولا قنوات موازية. في محاولة لإعادة الاعتبار لفكرة الدولة نفسها، حيث تتوزع الأدوار وفق قواعد دستورية، لا وفق ضرورات الحرب وحدها.

إن ما طرحه رئيس الوزراء ليس مجرد رؤية للسلام، بل مشروع لإعادة بناء الشرعية: شرعية الدولة في مواجهة المليشيا، وشرعية القرار الوطني في مواجهة الضغوط الإقليمية، وشرعية المؤسسات في مواجهة الفوضى السياسية.

وفي المحصلة، ما تسعى الحكومة السودانية إلى ترسيخه عبر مبادرة السلام التي قُدمت إلى مجلس الأمن هو تثبيت مرجعية القرار الوطني، وفصل مسارات التفاوض عن الابتزاز الإقليمي. إذ إن الرهان الحقيقي يقوم على وضوح الشروط ووحدة المرجعية.

لا سلام بلا مساءلة، ولا تفاوض بلا اعتراف بشرعية الدولة، ولا دولة بلا سيادة. وبهذا المعنى، وضع رئيس الوزراء المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: إما دعم مسار يستند إلى الشرعية وسيادة الدولة، أو القبول باستدامة الفوضى عبر التطبيع مع العنف غير الشرعي.
محبتي واحترامي.

Exit mobile version