ليس نقص الأنسولين ما يدمّر الجسم… الحقيقة أخطر

لسنوات طويلة، اعتقد الباحثون أن مرض السكري سببه الوحيد هو نقص الأنسولين الذي يفرزه البنكرياس، وبُنيت معظم العلاجات على هذا الأساس. لكن هذا التصور بدأ يهتز في منتصف القرن الماضي، حين لاحظ العلماء أن بعض المرضى لا يستجيبون للأنسولين رغم توفره بكميات طبيعية، بل أحيانًا مرتفعة.

في عام 1949، طُرح لأول مرة سؤال أربك الأوساط الطبية:

ماذا لو لم تكن المشكلة في نقص الأنسولين، بل في عدم استجابة الجسم له؟

لاحقًا، ومع تطور وسائل الفحص في ستينيات القرن الماضي، تكشّفت حقيقة صادمة: كثير من مرضى السكري الذين شُخّصوا في سن متأخرة لا يعانون من نقص الأنسولين، وإنما من خلل في تفاعل أنسجة الجسم معه. هكذا وُلد مفهوم مقاومة الأنسولين، بوصفه حالة يعجز فيها الأنسولين عن أداء وظيفته الطبيعية رغم وجوده.

وظيفة الأنسولين الأساسية هي نقل السكر من الدم إلى داخل الخلايا عبر مستقبلات خاصة على سطح الخلية. وأي خلل في هذه المستقبلات – سواء في عددها أو كفاءتها – يعرقل هذه العملية، فيتراكم السكر في الدم بدل أن يُستخدم كمصدر طاقة.

اللافت أن مقاومة الأنسولين قد تبدأ قبل سنوات من تشخيص السكري من النوع الثاني، كما تُلاحظ لدى كثير من المصابين بالسمنة حتى دون إصابتهم بالسكري. والأخطر أن هذه الحالة غالبًا ما تتطور بصمت، دون أعراض واضحة، ولا تُكتشف إلا عبر الفحوصات المخبرية.

تشمل المؤشرات التي قد تنذر بوجود مقاومة للأنسولين ارتفاع محيط الخصر، وارتفاع ضغط الدم، وازدياد السكر الصائم، وارتفاع الدهون الثلاثية، إلى جانب تغيرات جلدية مميزة، وكلها إشارات على اضطراب أعمق في التوازن الأيضي للجسم.

وترتبط مقاومة الأنسولين بعدة عوامل، أبرزها النظام الغذائي الغني بالسكريات، قلة النشاط البدني، السمنة، التدخين، واضطرابات هرمونية معينة. ومع استمرارها دون تدخل، قد تقود إلى مضاعفات خطيرة تشمل أمراض القلب، السكتة الدماغية، تلف الكلى، مشكلات البصر، بل وحتى بعض أنواع السرطان.

ورغم توفر أدوية تُحسن حساسية الجسم للأنسولين، يؤكد المختصون أن أسلوب الحياة يبقى حجر الأساس في الوقاية والعلاج. فالنشاط البدني، فقدان الوزن التدريجي، التغذية الصحية، والإقلاع عن التدخين، جميعها قادرة على إعادة التوازن وتقليل خطر تطور المرض.

الخلاصة التي يجمع عليها الأطباء:

مقاومة الأنسولين ليست تشخيصًا عابرًا، بل إنذار مبكر…

والتعامل معها مبكرًا قد يمنع مرضًا مزمنًا قبل أن يبدأ

Exit mobile version