ثورة ديسمبر التأسيس لذاكرة وطنية مغايرة؟

ثورة ديسمبر التأسيس لذاكرة وطنية مغايرة؟

خالد فضل

بحيث أصبح للناس في مايرنو صوت يسمع، وللجان مقاومتها ميثاق يقرأ ويناقش ويعتمد عليه كأرضية لمواثيق أخرى، وبلغ الصيت بلجان المقاومة في الفاشر أن باتت مرجعا لقراءة المتغيرات على ساحة المدينة المنكوبة بوابل الرصاص والقصف والتدوين والبراميل المفخخة والتشوين، وللجان المقاومة في عبري موقف وفي حلفا ضد مخاطر التعدين العشوائي، وفي الشرق يكون للجان المقاومة الثورية دور في كشف زيف والي القضارف وتعرية موقفه كعضو في الحزب المحلول ومؤيد مبايع للبشير فكانت إقالته فوراً، وفي الدلنج وكادقلي والدمازين مثلها في زالنجي ومدني وعطبرة مرورا بشمبات والبراري وجنوب الحزام. لقد بدأ تشكل ذاكرة وطنية مغايرة لذاكرة الانقسام والحروب والأسقام.

ومنذ انبلاج فجر مواكبها في مواجهة جحافل الظلام، عندما كانت ماكينة التضليل الإسلامية تذيع أخريات الليل أنّ عناصر حركة عبد الواحد المندسة وسط المتظاهرين تنوي القيام بعمليات إغتيال وتخريب، جيئ بشباب وصبيان من طلبة دارفور باعتبارهم خلية الدروشاب، عرضوا في تلفزيون المنافقين، فإذا الشوارع في الخرطوم على تمام الساعة الواحدة بتوقيع زغرودة الانطلاق تهدر.. يا العنصري ومغرور كل البلد دارفور فأسقط في يدي الجلّاد ومارس قنّاصته التنشين لاصطياد العصافير المشقشقة حرية سلام وعدالة.

هبطت نساء وادي هور كما أسراب الحمام وعند تقاطع شارع البلدية قبالة بوابات السقم المدجج بالسلاح، هبطن بالعصيدة طعام الصائمين ويا كم تملينا من إدام أهل دارفور الطاعم بالحيل؛ والعبارة مما خطّه محمد المهدي المجذوب يكاتب صديقه محمد عبد الحي واصفا محطات رحلته التي من ضمنها زيارة صديقهما المشترك عالم عباس؛ وعالم عوالم مفعمة بالإبداع والنفس والروح الإنساني الفصيح ويا الكمكلي الحريف. النساء هنا فواعل وليس مفعولات لفعل اغتصب يغتصب، لسن أجساد تفرّغ فيهن الغبائن والحط من الكرامة وإذلال الإنسان، النساء هنا منبر شات وهتافهن الجميل.. الجيش جيشنا ونحن أهلو، فتسري الرعشة في الزول الحمش فوق النار بمش ويندغم الضباط والجنود على وقع نشيد العلم.. هذه الأرض لنا.. ويا للحسرة كان لبعض الضباط الكبار كبار رأي آخر عكس هذا الاندغام الحميم فهم أسرى قذى التنظيم اللئيم، ويا سودان بفهمنا أو لا سودان.. حدّث من قال حدس ما حدس.

تسري النشوة بين أضلاع الجنوب الذي ما انفصل منه الوجدان، ولم يصبح جنوب البرازيل- كما كان يحلو لياسر عرمان التحليل- بل جنوب السودان فينطلق الموكب المشهور داوي النبرات، الليلة ما بنرجع إلا الجنوب يرجع، تلك ذاكرة مغايرة لذاكرة الكره الذي مارسه الكيزان لثلاثة عقود ضد الحقوق ضد الكرامة وضد الإنسان فصوروه عدو مبين وكافر يستحق الإذلال لكن للثورة ذاكرة حيّة وضمير يقظ يهب الحياة رغم طول السكون.

أيها الناس من كان يظن أن حرب 15 أبريل ضد الدعم السريع فليعد الحسابات إنها حرب العدم ضدك ضدي ضد توقنا المشترك لبناء ذاكرة وطنية رصينة وحقيقية تنعم بالتعددية عنصر إثراء وليس كما قال قائلهم دغمسة وبلواء، تنعم بالحرية نسيجا للتطور وبيئة للازدهار، تنعم بالسلام حياة خصبة وطموح نبيل، تنعم بالعدالة شريان يغذي القلوب فتطمئن بعد الكروب تنمحي عن الأدمغة ذاكرة الحروب والاستئصال، وتذوب في رحاب ذاكرة كبرى دعونا نسميها الوطن البتول.

Exit mobile version