في مشهد مالي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، تواصل سوق الصرف السودانية تسجيل مستويات قياسية تعكس عمق الأزمة التي تضرب الاقتصاد منذ اندلاع الحرب منتصف 2023. فمع انكماش النشاط وتراجع الثقة، تتسع الفجوة بين العرض والطلب على النقد الأجنبي، فيما يشتد ضغط السيولة المحلية إلى حدود غير مألوفة.
الأسعار المتداولة في السوق الموازية تُظهر أن هذه السوق أصبحت المرآة الأكثر وضوحاً لمخاطر الحرب الممتدة وتأثيرها على البنية الإنتاجية، وعلى حركة التجارة وسلاسل الإمداد. ويبدو أن الجنيه السوداني يفقد مزيداً من قدرته الشرائية، خاصة مع عودة الطلب الموسمي على الاستيراد إلى الواجهة.
وتكشف قراءة الاتجاهات الحالية أن الاقتصاد يواجه معادلة صعبة بين الحاجة لتمويل الواردات الأساسية مقابل تراجع التدفقات من الصادرات والتحويلات، الأمر الذي يضعف عناصر الاستقرار النقدي ويرفع كلفة إدارة سعر الصرف.
وبحسب ما رُصد في تداولات اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025، فقد استقرت أسعار العملات الأجنبية عند أعلى مستوى تاريخي؛ إذ بلغ سعر بيع الدولار 3750 جنيهاً، بينما وصل سعر الشراء إلى 3665 جنيهاً في السوق الموازية.
الفارق بين سعري البيع والشراء يؤشر إلى توتر سيولي حاد وارتفاع لافت في علاوة المخاطر على الدولار، ما يرجح استمرار الاتجاه الصعودي ما لم تتغير المعطيات الأساسية.
هذه المستويات القياسية تأتي نتيجة تراكم صدمات اقتصادية مستمرة منذ بدايات الحرب، مع تعطل صادرات السلع الرئيسية وانكماش القدرة اللوجستية، مقابل ارتفاع الطلب على استيراد السلع الحساسة كالوقود والغذاء والدواء.
وتشير المؤشرات إلى أن قيمة العملات الأجنبية مقابل الجنيه ارتفعت مئات بالمئة مقارنة بما قبل الحرب، في ظل تراجع القوة الشرائية وتزايد الاعتماد على التعاملات بالدولار خارج النظام المصرفي.
ومع ضعف أدوات الضبط النقدي وعدم قدرة المالية العامة على امتصاص الصدمة، تظل أسعار السوق الموازية هي المتحكم الفعلي في مسار الأسعار اليومية داخل البلاد.
