
متابعات – سودان لايف نيوز
في تحليل سياسي واستراتيجي نشرته الدكتورة أماني الطويل، خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية،بموقع مصر 360 اعتبرت أن سقوط مدينة الفاشر في إقليم دارفور لا يمثل مجرد تطور ميداني في الحرب السودانية، بل يشكل نقطة تحول حاسمة في بنية الدولة السودانية ومشهدها العسكري والسياسي، مع امتدادات إقليمية لا يمكن تجاهلها.
تقول الطويل إن أهمية سقوط الفاشر تتجاوز رمزيتها الجغرافية، لتكشف عن تغيرات عميقة في موازين القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وترى أن هذا الحدث يندرج ضمن مشروع أوسع لتفكيك الدولة السودانية وتحويلها إلى أقاليم متنازعة تخضع فعليًا لسيطرة ميليشيات مسلحة ذات امتدادات خارجية، ما يفرض إعادة تشكيل شاملة للمشهدين العسكري والسياسي داخل السودان وعلى مستوى الإقليم.
تشير الطويل إلى أن سقوط الفاشر يبرهن على أن الحرب في السودان تجاوزت نمط السيطرة المكانية التقليدية، وتحولت إلى حرب استنزاف طويلة الأمد. وتوضح أن هذه الحرب تُدار عبر تحالفات متغيرة وعمليات نوعية تعتمد على الحركة والمرونة والمعلومات الاستخباراتية، ما يجعل التفوق في هذه العناصر أكثر تأثيرًا من امتلاك السلاح الثقيل.
تلفت الطويل إلى أن قوات الدعم السريع اعتمدت في سيطرتها على الفاشر على تكتيكات متقدمة، مكنتها من فرض سيطرتها الكاملة على المدينة. وتربط هذا النجاح بالتدهور اللوجستي الذي يعاني منه الجيش السوداني، خاصة في غرب البلاد، حيث فشل في تأمين خطوط إمداداته الحيوية، ما يعكس أزمة هيكلية في قدرة الدولة المركزية على دعم قواتها في الأطراف.
توضح الطويل أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر لا تعني نهاية قدرة الجيش على الاستمرار، إذ لا يزال يمتلك قوة نارية وتحالفات ميدانية مع حركات مسلحة وقعت اتفاق جوبا للسلام. وتشير إلى أن بعض هذه الحركات أعادت تموضعها لمواجهة الدعم السريع، ليس دعماً للجيش، بل دفاعاً عن مناطق نفوذها وسعياً لحماية وجودها السياسي في أي تسوية قادمة.
تؤكد الطويل أن القوات المشتركة، التي تضم حركات تحرير السودان والعدل والمساواة ووحدات قبلية، أصبحت فاعلاً ميدانياً أساسياً. وتقول إن هذه القوات تحاول خلق توازن بين دعم الجيش كممثل للدولة المركزية ومواجهة تمدد الدعم السريع، لكنها تخوض في الوقت ذاته معركة مزدوجة لحماية مصالحها المحلية والمشاركة في الصراع الوطني.
تصف الطويل الخارطة الميدانية في السودان بأنها متعددة الأطراف والولاءات، حيث تتداخل الحسابات العسكرية مع السياسية. وترى أن هذا التداخل يعقد إمكانية الحسم العسكري، ويجعل من كل تحرك جزءاً من معادلة أكبر تشمل أطرافاً داخلية وخارجية، ما يزيد من تعقيد المشهد ويؤخر الوصول إلى تسوية نهائية.
تربط الطويل إمكانية استعادة الجيش للفاشر بجملة من العوامل، أبرزها حصوله على دعم مباشر، ربما من الولايات المتحدة، في حال قبولها صفقة الموارد المعروضة من الجيش. وتوضح أن هذا الدعم قد يتيح إعادة تنظيم القوات وتأمين خطوط الإمداد الحيوية من الشمال عبر الولاية الشمالية وكردفان، محذرة من أن فشل تأمين هذه الخطوط سيعني استمرار العزلة اللوجستية للقوات في دارفور وكردفان.
تشير الطويل إلى أن موقف دول الجوار، مثل مصر وتشاد وليبيا، سيكون حاسماً في تحديد قدرة الجيش على التحرك. وتقول إن هذه الدول تخشى من امتداد الفوضى إلى أراضيها، ما يجعل أي تحرك عسكري كبير عرضة لضغوط إقليمية مضادة، ويضع قيوداً إضافية على خيارات الجيش السوداني.
ترى الطويل أن سقوط الفاشر يحمل آثاراً مفصلية على مستقبل السودان، حيث يشير إلى دخول الحرب مرحلة جديدة من التفكك الجغرافي. وتوضح أن العاصمة الخرطوم لم تعد مركز الثقل الوحيد، بل بدأت تظهر مراكز إقليمية جديدة تفرض نفسها على المشهد الوطني، ما يعكس تغيراً في طبيعة الصراع ويؤكد أن السودان بات أمام سيناريوهين متوازيين: حرب استنزاف مستمرة أو تفاوض سياسي تفرضه موازين القوى الجديدة.
تحذر الطويل من أن سقوط الفاشر يحمل دلالات استراتيجية تتجاوز الجوار المباشر، إذ يجعل المدينة بوابة محتملة لتدفق السلاح والمقاتلين نحو الحدود الغربية لمصر. وتقول إن التمدد العسكري للدعم السريع في الاتجاه الغربي يعزز المخاوف من اختلال التوازنات الأمنية في الجنوب، ما يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر.
توضح الطويل أن القاهرة ما زالت تلتزم بسياسة الحذر في تعاملها مع الأزمة السودانية، لكنها ترى أن التطورات الأخيرة تدفعها نحو إعادة تقييم شاملة لخياراتها الاستراتيجية، خاصة في ظل عضويتها في اللجنة الرباعية الخاصة بالملف السوداني. وتقول إن أمام القاهرة معادلة دقيقة تتطلب موازنة استراتيجية تحافظ على دورها الوسيط وتحمي أمنها القومي وحدودها الطويلة في ظل احتمالات تسلل الفوضى والجماعات المسلحة.



