أحمد عثمان جبريل
الخرطوم تستعد لخطوة مصيرية قد تغير مجرى الحرب التي طال أمدها.. بعد سنوات من الصراع والدمار، حيث تدخل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في لقاء مباشر، برعاية الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وبحضور نائب وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي.. اللقاء الذي سينطلق اليوم من واشنطن، يحمل في طياته أملًا جديدًا لمواطنين أنهكتهم الحرب وجعلت من مدنهم ركاما واطلالا بائسة.
“حين تتعب الشعوب من الحرب، تصبح الكلمة أقوى من الرصاصة.”
— جبران خليل جبران
1.
مصادر مطلعة قالت ان الفريق عبد الفتاح البرهان بعد ان ناقش ذلك مع قيادات الجيش والتي باتت تحت قلب رجل واحد .. أبلغ كذلك بعض التيارات الإسلامية أنه ماضٍ في طريق الحوار، وأن السلام العادل هو الخيار الوحيد لإنقاذ البلاد .. هذه الرسالة تترجم واقعًا جديدًا، يؤكد أن الحرب مهما طال أمدها لم تعد تحمل أفقًا سياسيًا، وأن زمن الحلول العسكرية الصلبة بدأ يذوب أمام ضغط الواقع.
2.
حديث البرهان للإسلاميين جاء بهدوء أكبر، وكأنه يُمهّد لحاضنته السياسية بضرورة تقبل المرحلة المقبلة والتي قال لهم حسب المصادر انها تتطلب تنازلات صعبة” .. ما يعني أن القوى الإسلامية التي ظلت في صلب دعمه تشعر اليوم بأن مقاعدها في السلطة لم تعد مضمونة كما كانت. لذلك، يحاول البرهان تهدئتهم بأن الحوار ليس استسلامًا، بل بداية مسار يعيد للدولة تماسكها وشرعيتها.
3.
مع ذلك، هناك تيارات إسلامية داخل في الجيش واخرى تقاتل إلى جانبه ترى في التفاوض مع الدعم السريع خيانة لتضحيات المقاتلين.. هؤلاء ما زالوا يعتقدون أن الحرب وحدها قادرة على فرض هيبة الدولة.. إلا أن حديث البرهان يؤكد ان الوقائع والانهاك العام جعلت الحسم العسكري الكامل شبه مستحيل. لذا تبدو دعوته للحوار تعبيرًا عن إدراك ضرورات الواقع لا مجرد تغيير في القناعات.
4.
أما الرعاية الرباعية فهي تعكس قلقًا إقليميًا ودوليًا من استمرار الحرب التي تهدد أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي.. فالعواصم الأربع – واشنطن، الرياض، أبوظبي، والقاهرة – تدرك أن سقوط السودان في الفوضى سيخل بتوازن المنطقة.. لذلك لم تكن الرعاية مجرد وساطة بل كانت تحركًا لحماية المصالح ودفع الأطراف إلى تسوية توقف نزيف الدم.
5.
على الأرض، المواطن السوداني لم يعد يهمه من يجلس إلى الطاولة بقدر ما يعنيه توقف القتال.. ربما أدرك ذلك البرهان فالتقارير التي رفعت للبرهان اكدت على ذلك بوضوح اذ تشير المصادر الى ان السودانيين قد أنهكتم الحرب تماما، وباتوا يطيقون الى السلام والعودة الى مدنهم، بعدما تحولت البيوت إلى قصص حزن لا تنتهي. لذا، ينظر المواطن إلى ان الحوار كأمل في بقاء الوطن وليس مجرد صفقة سياسية.
6.
رغم التشكيك، فإن جلوس الجيش والدعم السريع معًا بحد ذاته يمثل تحولًا مهمًا.. فالحروب لا تُختتم بالرصاص، بل بالكلمات. وأي حوار، مهما كان هشًا، قد يفتح بابًا لسلام دائم. والتحدي الأكبر هو تحويل هذه الهدنة إلى ثقة ثم اتفاق يعيد للدولة مسارها الطبيعي.
7.
بقى ان نقول :”السودان اليوم بات على مفترق طرق بين الحرب والسلام.. وان الخطوة القادمة ستحدد مستقبل البلاد.. فإذا نجح البرهان في تحويل اللقاء إلى فرصة تاريخية، فسيكتب لنفسه صفحة جديدة في ذاكرة الوطن.. أما إذا عاد الرصاص، دون يبدي الطرفين جدية في إيقاف وإنهاء معاناة شعبهم، فسيضيع كل أمل متبقٍ.. لذا فقد آن للأصوات الهادئة أن تُسمع، وللوطن أن يختار لغة الحياة بعد طول معاناة.
إنا لله ياخ.. الله غالب.
