هل آن أوان إخراج الجيش من قلب الخرطوم؟ صراع جديد يفرض نفسه

جدل الثكنات العسكرية داخل الخرطوم.. بين إرث تاريخي وخطر على المدنيين

مع تصاعد الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، عاد النقاش القديم حول وجود الثكنات العسكرية داخل المدن الكبرى إلى الواجهة. فالمعارك الدامية التي اندلعت وسط الأحياء السكنية جعلت المدنيين وقودًا لصراع مسلح يهدد حياتهم وممتلكاتهم، وطرح تساؤلات ملحّة: هل آن الأوان لإخراج الجيش من قلب العاصمة؟

جذور تاريخية لتمركز الجيش في المدن

يرى ضباط وخبراء أن وجود الثكنات العسكرية داخل الخرطوم ليس وليد اللحظة، بل هو إرث استعماري يعود إلى فترة الحكم البريطاني، حيث أقيمت الثكنات قرب المراكز الإدارية لتسهيل السيطرة عليها.
وبعد الاستقلال، استمر هذا النمط بسبب هيمنة العسكريين على الحكم وحرصهم على البقاء قرب مراكز السلطة والسيادة مثل القصر الجمهوري والمطار.

التوسع العمراني يحاصر المعسكرات

يشير اللواء أمين إسماعيل مجذوب، خبير إدارة الأزمات، إلى أن مواقع عسكرية مثل القيادة العامة وسلاح المدرعات كانت في الأصل معزولة عن السكان، لكن الزحف العمراني أحاط بها وحوّلها إلى جزء من النسيج الحضري في الخرطوم وبحري وأم درمان.
ورغم إدراك السلطات للمخاطر، لم تُنفذ خطط نقل المعسكرات بسبب التكاليف الضخمة لبناء مدن عسكرية متكاملة.

اعتبارات سياسية وأمنية

بحسب الضابط السابق أسعد التاي، لعبت السياسة دورًا محوريًا في إبقاء الجيش داخل المدن. فالقوات كانت قريبة من مراكز القرار، ما يسهل التدخل السريع عند الأزمات والانقلابات، إضافة إلى مراقبة الاحتجاجات الشعبية واحتوائها.
كما أن هذا التمركز وفّر للجيش قربًا لوجستيًا من الجسور والوزارات والمطارات، ما قلّل الحاجة إلى قواعد جديدة في أطراف العاصمة.

المدنيون في قلب المعركة

لكن هذه المعادلة تغيّرت مع اندلاع الحرب في أبريل 2023. فقد تحولت الأحياء السكنية إلى ساحات قتال، وسقط آلاف المدنيين بين قتيل وجريح، بينما نزح مئات الآلاف.
ويرى مجذوب أن القوات المهاجمة استغلت المدنيين أحيانًا كـ دروع بشرية، فيما خسر الجيش جزءًا من تعاطفه الشعبي نتيجة معارك المدن.

أصوات تدعو للتغيير

يؤكد اللواء المتقاعد كمال إسماعيل أن الحرب أثبتت خطورة بقاء الجيش وسط الأحياء، حيث جعلت حياة المدنيين رهينة للنيران المتبادلة. وحذر من أن استخدام الطيران والمدفعية الثقيلة داخل المدن يضاعف المأساة الإنسانية، ويُصنّف دوليًا كجريمة ضد المدنيين.

البدائل المستقبلية

يبقى مستقبل الثكنات العسكرية داخل المدن السودانية مرهونًا بقدرة الدولة على تجاوز أزمتها السياسية والمالية، ووضع رؤية أمنية جديدة تفصل بين الحياة المدنية والعسكرية. فحماية المدنيين لا تتحقق إلا بإبعاد الحرب عن الأحياء السكنية، ورسم خريطة جديدة للأمن القومي في البلاد.

مصدر الخبر

Exit mobile version