أبرز المواضيعأخر الأخبار

المرحلة الانتقالية في السودان.. من بوابة الأمل إلى نفق المجهول

صراع القوى السياسية والعسكرية يجهض التحول الديمقراطي ويكرّس الفوضى

مرحلة انتقالية متعثرة، صراع سياسي وعسكري، وتعديلات متكررة للوثيقة الدستورية.. كيف تحول حلم التحول الديمقراطي في السودان إلى كابوس مفتوح؟

منذ الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير في ديسمبر 2019، دخل السودان مرحلة انتقالية كان يُفترض أن تمهد الطريق لبناء دولة مدنية ديمقراطية. إلا أن تعقيدات المشهد السياسي والعسكري حوّلت هذه المرحلة إلى دوامة من النزاعات، والانقسامات، والفوضى الأمنية، والانهيار الاقتصادي، ما دفع البلاد نحو مستقبل غامض ومفتوح على سيناريوهات خارجية لا تعبّر بالضرورة عن الإرادة الوطنية.

 من الوثيقة الدستورية إلى الانقلاب: تعدد المراحل وتشظي الأهداف

يرى المحلل السياسي محمد البشير مكي أن الوثيقة الدستورية التي تم توقيعها في أغسطس 2019 حدّدت 39 شهرًا للفترة الانتقالية، لكنها لم تصمد أمام التحديات. ويشير إلى أن الوثيقة تفككت عبر أربع مراحل متعاقبة، أبرزها تعديلها بعد اتفاق جوبا في 2020، وانقلاب البرهان في أكتوبر 2021، ثم تمديدها مجددًا في 2024 و2025، لتصبح المرحلة الانتقالية سلسلة من البدايات غير المكتملة.

وأكد مكي أن الوثيقة لم تُنجز مهامها الأساسية، خصوصًا على صعيد إدارة العلاقة بين المكونين المدني والعسكري، حيث طغى التنازع على التعاون، وانتهى الصراع بانفجار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، ما أغرق البلاد في نفق مظلم من عدم الاستقرار.

 غياب الإرادة السياسية والتفاف على متطلبات الانتقال

أما الخبير في القانون الدستوري، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، فاعتبر أن المرحلة الانتقالية تحوّلت إلى منصة لتقاسم السلطة لا للإعداد للانتخابات، مشيرًا إلى أن فترات الانتقال في تاريخ السودان لم تتجاوز سابقًا عامًا واحدًا. لكنه استنكر أن يتم تمديد المرحلة الحالية حتى عام 2028 دون وجود مؤسسات فاعلة مثل مجلس تشريعي، أو مفوضية انتخابات، أو إحصاء سكاني.

وأكد الخبير أن القوى المدنية تخشى من الانتخابات التي قد تضعف نفوذها، بينما تتمسك الحركات المسلحة بمواقعها السيادية والتنفيذية، في غياب أي محاسبة فعلية لرموز النظام السابق أو مؤشرات واضحة على التحول الديمقراطي.

 شراكة هشّة.. وتمهيد لانفجار الحرب

من جانبه، وصف الباحث في التاريخ السياسي عبد المجيد نورين الشراكة بين المدنيين والعسكريين بأنها كانت “خطأً تاريخيًا فادحًا”، مشيرًا إلى أن هذه التجربة لم تكن سوى تقاسم هش للسلطة انتهى بتفكك الأحزاب، وانشقاق قوى الحرية والتغيير، وانحياز الحركات المسلحة للجيش. وأكد أن انقلاب أكتوبر 2021 أعاد عسكرة المرحلة الانتقالية، ورسّخ سلطة الأمر الواقع بعيدًا عن شعارات الثورة.

 تحالفات ما بعد الحرب.. سلطة بلا شرعية

المحلل السياسي عبد المحسن الشريف يرى أن القوى العسكرية، المدعومة من الحركة الإسلامية، تحاول استثمار الحرب الحالية و”الالتفاف الشعبي” حول الجيش، لتبرير استمرار الحكم العسكري، في ظل تشتت القوى المدنية وفشلها في تشكيل جبهة موحدة. وحذّر من تسوية سياسية مفروضة خارجيًا، قد تُبقي على حالة الطوارئ وتكرّس واقعًا سياسيًا غير شرعي.

 6 سنوات انتقال بلا تحول.. من يتحمّل المسؤولية؟

تشير البيانات السياسية إلى أن السودان عاش ست سنوات انتقالية بلا أي تقدم حقيقي في ملفات الانتخابات، أو المحاسبة، أو الحكم الديمقراطي. وبينما تتناسل “الوثائق والتعديلات”، يستمر غياب الإرادة السياسية الحقيقية، ما يجعل من الحديث عن نهاية للمرحلة الانتقالية أمنية مؤجلة في ظل صراع محتدم، وتدخلات إقليمية ودولية متزايدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى