“تريليون دولار” لإعادة إعمار السودان.. و”الخرطوم” تحتاج 300 مليار في ظل “شلل مالي” وعقوبات أمريكية!

خبراء: إصلاح "عاصمة الأشباح" يستغرق سنوات.. و60% من منشآت الخرطوم دمرت بالكامل أو جزئياً.. وحمدوك فك العزلة "قبل الانقلاب"!

الخرطوم – رصد خاص لـ “سودان لايف نيوز”

تُشير التقديرات الصادمة لخبراء الاقتصاد إلى أن إصلاح الدمار الهائل الذي لحق بالعاصمة السودانية الخرطوم سيستغرق “سنوات طويلة”، وذلك في ظل فجوة مالية هائلة تُقدر بـ”تريليون دولار” لإعادة بناء ما دمرته الحرب في مختلف أنحاء البلاد. وتشير التقديرات إلى أن 300 مليار دولار منها ستُخصص لتغطية تكاليف إعادة إعمار الخرطوم وحدها، التي تحوّلت معظم مناطقها المدمّرة إلى “مدن أشباح غير صالحة للحياة”، وفقاً لوكالة رويترز.

يأتي هذا في ظل فقدان السودان لأكثر من 40 في المئة من ناتجه المحلي منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، بحسب البنك الدولي.

محرر “سودان لايف نيوز“، الذي يتابع بقلب مكلوم حجم الكارثة التي حلت بالسودان، علم أن خبراء يتوقعون أن تؤدي العقوبات الأميركية الأخيرة إلى تفاقم العزلة الدولية التي يعيشها السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، مما يزيد من حالة “الشلل المالي” الذي يُعيق أي جهود لإعادة الإعمار.

ويضاف إلى ذلك التردي المستمر في الأوضاع الأمنية، ما يعيق عودة الأنشطة الاقتصادية التي تُشكل الضرائب والرسوم المفروضة عليها أكثر من 80 في المئة من عائدات الخزينة العامة، وهي ضرورية لتمويل عمليات البناء. المعلومة المفيدة والواضحة هنا هي تقديرات التكلفة الهائلة لإعادة الإعمار في ظل شلل اقتصادي وتفاقم العزلة الدولية.

دمار هائل يطال كل شبر في الخرطوم: جسور، مبانٍ، ومنازل.. و60% من العاصمة مدمرة!

إلى جانب شبكات المياه والكهرباء والمرافق الصحية والتعليمية، طال الدمار أكثر من 4 جسور، و200 مبنى عام وتاريخي، ومئات الآلاف من المنازل، نتيجة القصف الجوي الكثيف الذي شهدته العاصمة. وتكشف التقارير أن أكثر من 60 في المئة من المناطق السكنية ومنشآت البنية التحتية والمباني الرئيسية في الخرطوم تعرضت لدمار كلي أو جزئي.

رسم تقرير لوكالة رويترز صورة مأساوية لحجم الدمار الذي لحق بالعاصمة التي كان يقطنها نحو 8 ملايين نسمة قبل الحرب، لم يتبقَّ منهم سوى أقل من 25 في المئة حالياً. ويقول التقرير: “تشهد الجسور المدمرة، وانقطاعات الكهرباء، ومحطات المياه الفارغة، والمستشفيات المنهوبة على الأثر المدمّر لعامين من الحرب على البنية التحتية”.

وفي ظل هذه الأوضاع، يضطر سكان العاصمة إلى تحمّل انقطاع التيار الكهربائي لأسابيع، وشرب مياه غير نظيفة، في تحدٍّ يومي للبقاء على قيد الحياة.

وقد دُمّرت معظم الفنادق، ومقار الوزارات، والبنوك، والمستشفيات، والمطار الدولي، مما يشلّ الحياة العامة بالكامل. وتفحّمت معظم المباني الرئيسية في وسط الخرطوم، وتحولت الأحياء التي كانت راقية إلى مدن أشباح، في حين تنتشر السيارات المحطّمة والقذائف غير المنفجرة في شوارعها، في مشهد يعكس حجم المأساة.

وبحسب مهندس متخصص في التخطيط الحضري، فإن نحو 90 بالمئة من شبكات ومنشآت الكهرباء الأساسية تعرضت لنوع من التدمير، كما طال الدمار أيضاً شبكات الإمداد المائي والكهربائي، خاصة في العاصمة الخرطوم ومناطق واسعة من البلاد.

“عقوبات أمريكية” و”عزلة أعمق”: مصاعب كبيرة أمام عودة الحياة

وفقاً لخبراء الاقتصاد، فإن عودة الحياة إلى الخرطوم ستستغرق وقتاً طويلاً في ظل التداعيات الكبيرة التي نجمت عن الحرب، بما في ذلك الشلل الاقتصادي والعقوبات الجديدة. هذا الوضع يُعد نكسة كبيرة، خاصة بعد أقل من 5 أعوام على نجاح الحكومة المدنية بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك في فك عزلة دولية استمرت 27 عاماً، بسبب ممارسات “نظام الإخوان” الذي حكم البلاد لمدة 30 عاماً قبل أن تطيح به ثورة شعبية في أبريل 2019. لكن انقلاب أكتوبر 2021 أعاد السودان إلى مربع العزلة من جديد، مهدداً بتقويض أي جهود للنهوض.

ويقول الخبير المالي عمر سيد أحمد لموقع “سكاي نيوز عربية” إن عملية إعادة البناء ستحتاج إلى “أموال طائلة يصعب تأمينها، بسبب تآكل عائدات الدولة بعد أن أوقفت الحرب معظم المنشآت الإنتاجية”

. ويضيف: “يزداد الأمر صعوبة في ظل العزلة الدولية المرشّحة للتفاقم، حيث يمكن أن تشل العقوبات الأميركية المتعلقة بخطوط الائتمان القليل المتبقي من تعاملات السودان المالية مع العالم”.

ويُشير سيد أحمد إلى أن عمليات بناء ما تدمّره الحروب تُعد من أكثر العمليات الاقتصادية تكلفةً وتعقيداً، وهو ما سيكون أكثر وضوحاً في حالة السودان، الذي يواجه خطر الدخول في عزلة أعمق عن النظام المالي العالمي الذي يرتكز بشكل كبير على الدولار الأميركي، حيث تتم معظم المعاملات الدولية عبر شبكة البنوك المراسلة التي تمر عبر النظام المصرفي الأميركي أو تعتمد عليه.

ويُوضح سيد أحمد أن “عدم قدرة السودان على الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية يعني صعوبة فتح اعتمادات مستندية لشراء المعدات والمواد المستخدمة في إعادة البناء، إضافة إلى السلع الاستراتيجية.

كما ستؤدي هذه العقوبات إلى حرمان البنوك السودانية من التسهيلات الدولية وإعاقة تحويلات المغتربين البنكية، مما يفاقم أزمة السيولة بالنقد الأجنبي، ويؤدي إلى تجفيف التمويل التجاري والقصير الأجل”، في سيناريو يُهدد بانهيار اقتصادي شامل.

ومن جانبه، يُبدي الخبير الاقتصادي وائل فهمي تخوفه من أن تؤثر العزلة المالية الدولية بشكل مباشر على مجمل عملية إعادة البناء الاقتصادي في السودان.

ويقول فهمي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “العزلة المالية ستقلّص العائدات التي تحتاجها عمليات إعادة الإعمار، إذ تحدّ من القدرات الإنتاجية، وتحرم الاقتصاد من النقد الأجنبي ومن التكنولوجيا الحديثة، وقد تؤدي إلى العودة للاقتراض بأسعار فائدة مرتفعة من خارج القنوات الرسمية”، مما يعني ديوناً إضافية وتدهوراً اقتصادياً مستمراً.

Exit mobile version