بورتسودان – رصد خاص لـ “سودان لايف نيوز”
في خطوة سياسية قد تعيد تشكيل المشهد السوداني المتقلب، كشفت مصادر موثوقة لـ “سودان لايف نيوز” أن رئيس الوزراء المعيّن، كامل إدريس، سيؤدي اليمين الدستورية الخميس المقبل في العاصمة الإدارية بورتسودان. الأهم من ذلك، أن المصادر أماطت اللثام عن إشراك كتائب قتالية في الحكومة المنتظر إعلانها الشهر المقبل، مما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه الحكومة ومستقبل السلام في البلاد.
كان رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد أصدر الأسبوع الماضي مرسوماً بتعيين كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، على أن يتولى بعدها إعلان حكومته. المعلومة المفيدة والواضحة هنا تكمن في أن هذه القرارات ألغت إشراف أعضاء مجلس السيادة على الوزارات، مما يمنح رئيس الوزراء الجديد صلاحيات أوسع، نظرياً على الأقل.
“البراء” و”درع السودان” على طاولة الحكم: مكافأة الأوفياء في زمن الحرب
أكدت مصادر متطابقة ومعلومات دقيقة جمعها محرر “سودان لايف نيوز” أن أطرافاً مشاركة بفعالية في القتال إلى جانب الجيش، ستكون ممثلة في الحكومة المنتظر إعلانها مباشرة عقب نهاية عطلة عيد الأضحى. في مقدمة هذه الكتائب تبرز كتيبة البراء بن مالك، المحسوبة على التيار الإسلامي، و قوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل. وتحدثت المصادر عن إشراف مساعد قائد الجيش، ياسر العطا، على ترتيب مشاركة هذه الكتائب والمجموعات في الحكومة الجديدة، وهو ما يؤكد التوجه نحو دمج القوى المقاتلة في العملية السياسية.
في 13 فبراير الماضي، كان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان قد أعلن صراحة عدم التخلي عن الفصائل التي خاضت الحرب مع الجيش ضد قوات الدعم السريع. بل تحدث عن أنها “ستشارك بلا استثناء في أي مشروع سياسي مستقبلي”. وقال حينها: “المستنفرون، والإسناد المدني، والمقاومة الشعبية، وكل من حمل السلاح، سيكونون شركاء في أي مشروع سياسي”. هذا التصريح كان إيذاناً بعهد جديد قد يشهد تولي قيادات من هذه الفصائل مناصب سيادية في الدولة. وقالت المصادر إن المشاركة في السلطة الجديدة ستكون مقسمة على أطراف اتفاقية جوبا – الحركات المسلحة – والمجموعات المقاتلة مع الجيش، مما يشير إلى محاولة لإرضاء جميع القوى الموالية للجيش. وتوقعت المصادر إعلان البرهان حل الحكومة الحالية وتكليف الوزراء والوكلاء بتسيير مهام الوزارات خلال الساعات المقبلة، تمهيداً للإعلان الرسمي عن التشكيل الوزاري الجديد.
قادة الجيش: “لا التفات للخلفيات السياسية” ولكن الواقع يفرض نفسه
تشارك بجانب الجيش في حربه الشرسة ضد الدعم السريع مجموعة من التشكيلات العسكرية المنظمة والمستنفرين والمنتمين إلى المقاومة الشعبية. لكن تنظيم البراء وقوات درع السودان والحركات المسلحة تُعد الأبرز والأكثر تنظيماً وتسليحاً، علاوة على منتسبين لتنظيم “غاضبون” الذي شارك في الاحتجاجات السلمية التي كانت ترفض الحكم العسكري بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.
ويتحدث قادة الجيش عن عدم التفاتهم إلى الخلفيات السياسية التي يحملها المقاتلون إلى جانبهم، ولا يفاضلون بينها، وأنهم يتعاملون مع هذه التشكيلات القتالية من واقع اصطفافها إلى جانب القوات المسلحة، دون أي ظلال أو انتماءات حزبية أو عقدية. ومع ذلك، سبق أن أطلق قائد فيلق البراء بن مالك، المصباح أبو زيد، تصريحات شدد فيها على أنهم لا يبحثون عن أدوار سياسية، وأكد أنه لن يكون لهم أي وجود فور نهاية الحرب وهزيمة الدعم السريع. هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع السياسي المعقد يثير الكثير من علامات الاستفهام.
“فرص معدومة”: معارضة تحذر من حكومة “لا معنى لها”
تعليقاً على التحركات في بورتسودان لإعلان حكومة جديدة، اعتبر المتحدث باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، بكري الجاك، أن تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء محاولة لما أسماه “شرعنة سلطة البرهان”. وأكد لـ “سودان لايف نيوز” أن التحالف ليس لديه رأي في شخص إدريس، وأن رأيه يتمحور حول أزمة الحرب في البلاد وأولوية وقفها. وشدد على أن أي حديث عن تكوين حكومة وشرعية بتعيين رئيس وزراء “يظل بلا معنى”، وأن الخطوة تصب في سياق محاولة فتح باب مع الاتحاد الإفريقي.
من جهته، استبعد المتحدث باسم حزب المؤتمر السوداني، نور الدين بابكر، في حديث لـ “سودان لايف نيوز”، بناء السلام أو تحقيق التوافق عبر تعيينات فوق رماد الخراب، أو بإنتاج مؤسسات خالية من الشرعية. واعتبر بابكر أن فرص رئيس الوزراء المُعيّن كامل إدريس في وقف الحرب وتحقيق توافق سياسي حقيقي تكاد تكون معدومة في ظل الظروف الحالية، وجزم في الوقت نفسه بأن تحالف (صمود) منفتح على أي مبادرة جادة تسعى لوقف الحرب وفتح مسار سلمي، مؤكداً أن التحالف يُقيّم المبادرات بناءً على مضمونها وصدقيتها، وأن أي دعوة تُبنى على الإرادة الحرة للسودانيين وتضع السلام كأولوية ستُقابل بالاستماع والتفاعل الإيجابي.
الصلاحيات الفعلية: معضلة رئيس الوزراء في دولة ممزقة
وفي سياق متصل، قال الباحث في الشؤون الدولية ومنطقة القرن الإفريقي، فؤاد عثمان، إن الحديث عن تعيين رئيس وزراء جديد في هذا الظرف بالغ التعقيد لا يمكن فصله عن السياق السياسي والعسكري الذي تشكّل منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وتعمّق بصورة مأساوية مع اندلاع حرب 15 أبريل.
ورأى فؤاد أن السودان دخل منذ ذلك الحين مرحلة من التشظي المؤسساتي، والاستقطاب الحاد، والتدهور المتسارع في بنية الدولة، حيث باتت البلاد رهينة معادلات القوة العسكرية، وتراجعت فرص الحلول السياسية المتوافق عليها. وشدد على أنه في ظل هذا الواقع، فإن أية خطوة تنفيذية – بما فيها تعيين رئيس وزراء – لا تكتسب معناها أو جدواها إلا إذا ارتبطت بإرادة واضحة لوقف الحرب، وابتدار عملية سياسية وطنية شاملة تتجاوز منطق التسويات الجزئية أو الثنائية.
وقال إن الحرب الراهنة خلقت واقعاً بالغ الخطورة، حيث تمركزت الصلاحيات الفعلية بيد قائد الجيش، بينما تتجه قوات الدعم السريع إلى تأسيس سلطة موازية في مناطق سيطرتها. وتابع: “هذا الانقسام العملي يعمّق خطر تفكك الدولة، ويهدد وحدة السودان ككيان سياسي جامع، ما يستدعي تحركاً عاجلاً نحو وقف الحرب كأولوية وطنية لا تحتمل التأجيل”. ورأى فؤاد أن فرص رئيس الوزراء – أياً تكن شخصيته أو خلفيته – ستظل محدودة ما لم تكن جزءاً من مشروع وطني أوسع يضع نهاية شاملة للحرب، ويفتح أفقاً جديداً لبناء سلام مستدام، يعيد تأسيس الدولة السودانية على قاعدة مدنية ديمقراطية تضمن العدالة والتعدد والمشاركة الحقيقية لكل بنات وأبناء السودان.
وفي السياق ذاته، توقّع المحلل السياسي أحمد موسى مواجهة كامل الطيب إدريس أكبر تحدٍّ قد يواجهه أي مسؤول حكومي بسبب الحرب وتداعياتها وآثارها. وأوضح موسى أن رئيس الوزراء الجديد أمامه ثلاث قضايا رئيسية إلى جانب عدة قضايا فرعية، أهمها تهيئة البيئة السياسية والمجتمعية، ووضع برنامج عمل يتضمن عدة محاور، أهمها خطة الطوارئ. وأشار إلى أن الحرب في البلاد لها أذرع داخلية وخارجية متعددة، ولن تتوقف إلا بخطة عمل تُعنى بالعلاقات الخارجية والعلاقات السياسية الداخلية. وشدد موسى على أهمية تحسين تلك العلاقات الخارجية، الذي سوف يساهم في وقف الحرب، معتبراً أن العلاقات الخارجية غير مرتبطة بالأشخاص، ولن تكون لعلاقات رئيس الوزراء أثر كافٍ للاستفادة من علاقات السودان بالخارج إلا وفق برنامج وضمانات تنفيذ لذلك البرنامج.