بقلم / عمار نجم الدين
إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن تأثيره المحتمل على توازن القوى في السودان قد يكون عميقًا وملحوظًا. يُعرف ترامب باتخاذه قرارات جريئة تركز على النتائج النهائية بدلاً من اتباع المظاهر الدبلوماسية التقليدية. في ظل هذا النهج، قد تتماشى استراتيجيته تجاه السودان مع الأهداف الأمريكية في تعزيز النفوذ، بغض النظر عن الكلفة الفعلية على الأرض.
السودان، بموقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، يمثل نقطة تجمع للقوى الإقليمية المتنوعة. وعودة ترامب قد تكون بمثابة فرصة ثمينة لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي لصالح المصالح الأمريكية. التحالفات مع الدول الخليجية، مثل السعودية والإمارات، تعد جزءًا أساسيًا من هذه الاستراتيجية، حيث يُعتبر السودان ساحة مواجهة حيوية في مواجهة النفوذ الإيراني والجماعات الإسلامية المتطرفة.
السعودية والإمارات، الحليفان المقربان لواشنطن، ينظران إلى قوات الدعم السريع كقوة فاعلة يمكنها مواجهة الإخوان المسلمين في السودان. يأتي هذا الاعتقاد بعد انشقاق عدد من قيادات الإخوان وانضمامهم لقوات الدعم السريع، مما يزيد من قوة موقف عبد الرحيم دقلو وحميدتي، اللذين كانا حلفاء للمؤتمر الوطني السابق. هذه التحولات تجعل من قوات الدعم السريع حليفًا محتملاً للولايات المتحدة في استراتيجيتها الإقليمية.
من جهة أخرى، يمثل الجيش السوداني مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، ليس فقط بسبب وجود عناصر إسلامية متطرفة مثل بعض خلايا الإخوان المسلمين وعناصر مرتبطة بداعش بقيادة محمد علي الجزولي، بل أيضًا بسبب علاقاته الوثيقة مع إيران. دعم إيران للجيش السوداني بالطائرات المسيرة والعتاد العسكري يُعد تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة، وهذا ما قد يدفع إدارة ترامب إلى تعزيز دعمها لقوات الدعم السريع باعتبارها حليفًا موثوقًا يمكن أن يساعد في مواجهة هذا التهديد.
في يناير 2024، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تعطيل الشبكات المالية لحركة حماس. من بين الممولين المستهدفين، كان رجل الأعمال السوداني عبد الباسط حمزة، الذي يُعتبر مقربًا من قيادة الجيش السوداني. وجهت له واشنطن اتهامات بإدارة شركات تسهم في تمويل حماس. لاحقًا، ألقت السلطات المصرية القبض على عبد الباسط حمزة في القاهرة واحتجزته للتحقيق معه في هذه الاتهامات، قبل تسليمه إلى المخابرات الأمريكية.
هذا الاعتقال يعزز من انحياز الإدارة الأمريكية لدول التحالف الخليجي، مثل الإمارات والسعودية، وأيضًا إسرائيل. ومن المتوقع أن تركز الإدارة على تحييد الجماعات المتطرفة من خلال تكثيف التعاون الاستخباراتي مع الدول الخليجية. قد تشهد هذه الفترة عمليات مكثفة لرصد التمويلات ومراقبة العناصر المتطرفة، حتى وإن كان ذلك يعني التغاضي عن بعض الآثار الجانبية على أرض الواقع.
الرؤية البراغماتية التي يتبناها ترامب تجعل من حقوق الإنسان قضية ثانوية، حيث سيكون التركيز الأساسي على تحقيق الاستقرار بأي ثمن. ترامب، المعروف بشعار “أمريكا أولاً”، سيضع المكاسب الاقتصادية والسياسية في المقدمة. ستظل مصالح واشنطن الاقتصادية وحلفاؤها الخليجيون على رأس الأولويات، دون اهتمام كبير بما يحدث للمدنيين في السودان.
إيران، من جانبها، ترى في السودان وسيلة لتوسيع نفوذها في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي لن تتجاهله إدارة ترامب. أي دعم إيراني للجيش السوداني سيُعتبر تهديدًا مباشرًا، مما يجعل من المحتمل أن تفرض أمريكا عقوبات اقتصادية صارمة، وربما تلجأ إلى عمليات استخباراتية تهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني في السودان.
بعودة ترامب، قد يشهد السودان واقعًا جديدًا يركز على دعم غير مباشر لقوات الدعم السريع وتحييد تأثير الجيش السوداني، مع زيادة الضغط على الجماعات المتشددة داخله. قد تصل الإجراءات إلى فرض عقوبات على العناصر المرتبطة بالإخوان المسلمين، وهي خطوة تتماشى مع رؤية ترامب القوية تجاه الإسلام السياسي. هذا التوجه سيتزامن مع تعزيز التعاون الاستخباراتي مع السعودية والإمارات، مما يعزز من قدرة واشنطن على مواجهة أي تحالفات قد تعرقل الاستقرار في المنطقة.