
رشا عوض
أحزنتني جداً مداخلة للأخ العزيز الدكتور محمد جلال هاشم على خلفية مقالتي “سقوط فرضية مناصرة الجيش حفاظا على الدولة” المنشورة بصحيفة التغيير الالكترونية الاثنين 11 سبتمبر، ففي مداخلته اتهمني بالعجز عن فهم موقفه هو وموقف د. قصي همرور من الحرب، وقال إنني نسبت لهما موقفاً من نسج خيالي وهو “المطالبة بالاصطفاف خلف الجيش” وقال إنني لم أدلل على موقفهما هذا بذكر اقتباسات من مقالاتهما تثبت ما ذهبت إليه.
وبعد قراءة المداخلة لم تعد لي حاجة باستعراض أي اقتباسات من كتابات محمد جلال للتدليل على موقفه المساند للجيش والمطالب بالاصطفاف خلفه لأن المداخلة نفسها هي أبلغ نص يدلل على ما ذهبت إليه!! كيف؟ يقول في مداخلته بالنص “… لا يملك المرء إلا أن يتساءل عما إذا كانت هي عاجزة عن فهم موقفنا لمجرد أن فهمها لطبيعة هذه الحرب أنها تدور بين الجنجويد والجيش. وهذا يختلف تماماً عن فهمنا لطبيعة هذه الحرب، إذ نرى أنها حرب شنتها مليشيات الجنجويد ضد الشعب وضد كيان دولته، وأن الجيش لأول مرة في تاريخه ينحاز لموقف الشعب. فأنت (وأي إنسان موضوعي) إذا فهمت الأمور بهذه الطريقة، فإنك لا يمكن أن تستخدم جملة “اصطفاف خلف الجيش”!!!
هنا لا يطالب محمد جلال باصطفاف عادي خلف الجيش بل يمضي فراسخ في الضلال عبر التماهي تماماً مع الجيش! والتطفيف البائن في توصيف طبيعة الحرب! فالجيش الذي فشل تماماً في حماية المواطنين من القتل والاغتصاب والطرد من البيوت ونهب الممتلكات، بل فشل في صد هجوم “الدعم السريع” على مواقعه العسكرية الاسترايجية من سلاح مدرعات وسلاح زخيرة وتصنيع حربي ومقار أجهزة الأمن والاستخبارات والقصر الجمهوري والإذاعة والتلفزيون، وترك عاصمة البلاد ومركز ثقلها السياسي والإداري والتعليمي والثقافي والاقتصادي والصناعي تقع تحت سيطرة الجنجويد بشكل شبه كامل لدرجة فرار قائد الجيش إلى بورتسودان وترك بقية قيادة الجيش قابعة في بدروم ومحاصرة في القيادة العامة! هذا الجيش يخرجه محمد جلال من المسؤولية (زي الشعرة من العجين) ويمنحه براءة مجانية من هذه الهزيمة التاريخية!! فالحرب أساساً ليست ضده بل ضد الشعب بأكمله! ومسؤولية هزيمة الجنجويد في المقام الأول ليست مسؤولية الجيش استناداً الى بداهة أن الجيش هو المؤسسة المنوط بها الدفاع عن الشعب وعن ارضه وعرضه متى ما تعرض لعدوان مسلح!! ولكن المسؤول الأول هو الشعب!! أما الجيش فكما قال محمد جلال بالنص “الجيش لأول مرة في تاريخه ينحاز للشعب”!! فالجيش حسب نظرية محمد جلال هو مجرد جندي مخلص في جيش آخر كبير وعملاق اسمه الشعب!! يا صلاة النبي احسن!!
ولم يشرح لنا محمد جلال أي سبب معقول جعل الجيش ينحاز للشعب فجأة وبدون مقدمات!!
مقولة إن الحرب ليست بين الجيش والجنجويد بل هي بين الجنجويد والشعب ليست سوى التماس براءة مجانية لمؤسسات بعينها وشخصيات بشحمها ولحمها مسؤولة تاريخياً عن إشعال حرب مدمرة يدفع ثمنها هذا الشعب المفترى عليه. هذه الحرب جريمة ضد الشعب السوداني ولن يسمح أصحاب الضمائر الحية بتبرئة أي طرف ضالع فيها، فهذه الحرب أطرافها هم:
الطرف الأول: المركز الأمني العسكري للكيزان الذي يشمل عناصر الكيزان في المواقع المفصلية في الجيش والعناصر الأمنية والاستخبارية الكيزانية وكتائب الظل وقيادات الدفاع الشعبي والأمن الشعبي، وهو مركز اخطبوطي متشابك مع مصالح اقتصادية ضخمة في الداخل والخارج.
الطرف الثاني: هو “الدعم السريع” صنيعة الطرف الأول، وقد انقلب عليه انقلاباً كاملاً، واستقل بأطماعه السياسية والاقتصادية الخاصة في الدولة السودانية والعابرة للحدود الأمر الذي جعله عقبة من العيار الثقيل أمام أطماع الطرف الأول.
الطرف الثالث: هو البرهان الذي ما زال يلعب لعبة البشير ويطمع في حكم السودان بدكتاتورية عسكرية تقليدية في منطقة توازن الرعب بين الطرفين الأول والثاني، وطبعاً الحرب قلبت حسابات البرهان وجعلته في حالة التخبط التي هو فيها الآن بين مطرقة الدعم السريع وسندان الكيزان.
الحرب فعل منظم تخوضه كيانات منظمة معلومة، على رأسها قيادات معلومة، وبالفعل أنا عاجزة تماماً عن استيعاب عبارة فارغة المضمون مثل عبارة أن هذه حرب بين الجنجويد والشعب السوداني! فهي تشبه تماماً عبارة الرئيس الليبي المرحوم معمر القذافي عندما طالبه الثوار بالتنحي ونصحه بعض المقربين منه بالاستقالة رد القذافي بسخرية واثقة: “استقيل من ماذا؟ أنا لست رئيساً! أنا قائد ثورة! والذي يحكم ليبيا هو الشعب الليبي!”
مثل هذه العبارات الشعبوية الهدف منها في الغالب تمييع الحقائق وتعويم المسؤوليات المباشرة وتضليل الشعوب!
ومن المؤسف جداً أن يتورط الدكتور محمد جلال في أن يبهت الشعب السوداني بأكثر مما بهت به القذافي الشعب الليبي!
المعلوم بالضرورة من كارثة هذه الحرب هو أن الجيش يخوضها مدفوعاً من الكيزان المسيطرين على مفاصل قيادته لأسباب لا علاقة لها بالشعب ولا بموقف مبدئي ضد المليشيا انتصاراً للدولة الوطنية، بل الهدف هو دحر المليشيا من طريق عودة الكيزان إلى السلطة بالقوة العسكرية ممثلة في الجيش وكتائب الظل التي بدأت هذه الحرب.
فشلت الخطة أ للكيزان وتحديداً مركزهم الأمني والعسكري، ممثلة في سحق “الدعم السريع” في سويعات، فانتقلوا الآن إلى الخطة ب وهي تغيير طبيعة الحرب نفسها من صراع سياسي على السلطة والثروة إلى حرب أهلية يحمل فيها أكبر عدد من المواطنين السلاح انطلاقاً من الأفكار الشعبوية التهييجية، وانتشار السلاح في دولة تعاني من هشاشة المؤسسات العسكرية والأمنية وتعاني من الاستقطابات الإثنية والقبلية والجهوية مع حرب شرسة مشتعلة حتماً سيقود إلى تمزيق البلاد.
وللمفارقة العجيبة يتردد كثيراً في عبارات دعاة دولة النهر والبحر أمثال عمسيب مقولات إن الحرب ليست حرب الجيش بل حرب الشعب! وكلما زادت هزائم الجيش كلما تعالت أصوات رؤوس الفتنة والتقسيم بضرورة تجاوز الجيش والاعتماد على المقاومة الشعبية!
وفي سبيل التحريض على حمل السلاح عشوائياً يتم تكثيف الخطاب الغوغائي عن قضية الانتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع، وبالفعل هناك انتهاكات فظيعة حدثت ضد المواطنين وهي مدانة ومستنكرة ويجب أن يحاسب مرتكبوها، ولكن السبب الأساسي الذي جعل المواطنين عرضة لها هو واقع الحرب التي أدت إلى انهيار المنظومة الأمنية، وبالتالي فإن أفضل وسيلة لحماية المواطنين من الانتهاكات هي استئصال الحرب وليس التوسع فيها حتى يتم شنق آخر قحاتي بأمعاء آخر جنجويدي!
قوات الدعم السريع كانت موجودة في الخرطوم منذ أن أدخلها إليها البشير قبل عشرة أعوام، وطيلة هذه المدة لم تحتل منازل المواطنين أو تنهبهم أو تقتلهم عشوائياً، فكانت ممارساتها مثل ممارسات القوات النظامية الأخرى، نعم لها انتهاكات ولها مشاكل عويصة في الولايات ولكن من الممكن جداً التصدي لكل ذلك عبر مشاريع الإصلاح الأمني والعسكري في اتجاه إصحاح العلاقة بين المواطن وكل الأجهزة الأمنية والعسكرية.
أما الحرب فهي أنجع وسيلة لتحويل الوطن مرتعاً لأبشع أنواع الانتهاكات حتى عندما تدور في دول متحضرة. فما بالك بدول متخلفة ومؤسساتها العسكرية مصممة على حماية الحاكم المستبد وقمع الشعب.
أما بالنسبة للدكتور قصي همرور الذي يعترض هو الآخر على اتهامه بالدعوة إلى الاصطفاف خلف الجيش، ألم يكتب مقالة طويلة عريضة تحت عنوان “مشروعية المرافعة عن مؤسسات الدولة، ومشروعية مساءلتها معاً: هذه الحرب نموذجاً”، ما هي المؤسسة التي يشرعن قصي المرافعة عنها عنها؟ أليست الجيش؟ هل هناك أي احتمال أن تكون المؤسسة المقصودة في العنوان هي كلية الفنون الجميلة أو نادي الأسرة مثلاً!
وعندما يقول بالنص “ينبغي أن نفهم إذن، ونوافق، أن مشكلة الجيش (القوات المسلحة) مشكلة هيكلية، بينما مشكلة ميليشيا الجنجويد (الدعم السريع) مشكلة وجودية. الجيش بحاجة لإعادة هيكلة (تحدثنا عنها منذ ما قبل انتصار الثورة) بينما الجنجويد بحاجة لأن يزول من الوجود (بحيث لا يصبح هناك شيء اسمه الدعم السريع، أو مسميات ومنظمات وارثة للدعم السريع أو مشابهة له، لا في مؤسسات الدولة ولا في قوى المجتمع المدني أوالبزنس). هذه النقطة يعرفها الثوار منذ صدحوا:
“السلطة سلطة شعب، والعسكر للثكنات، والجنجويد ينحل”
ماذا يعني هذا الكلام والحرب مشتعلة سوى الاصطفاف خلف الجيش؟ فإزالة الجنجويد من الوجود نهائياً لن تتم بهتاف الثوار أو بمجرد تمني ذلك، وفي حدود علمي لا يوجد جيش ثوري قادر عملياً على هذه المهمة، فالنهاية المنطقية للفكرة أعلاه هي الاصطفاف خلف الجيش حتى ينجح في إزالة الجنجويد ومن ثم التفرغ لمعركة صعبة مع الجيش بعد انتصاره الذي حتماً ستعقبه دكتاتورية، صحيح المقالة أسهبت في الحديث عن عيوب الجيش وحذرت من التأييد غير المشروط له ولكنها اعتبرت انتصاره هو أخف الضررين، وكاتب المقالة لديه بعض العشم في أن تكون نتيجة الحرب التخلص من الجنجويد للأبد ولكنه يدرك أن هذه النتيجة وإن تحققت ستعقبها تعقيدات وتحديات.
واختلف مع قصي هنا في افتراض إمكانية القضاء على الجنجويد للأبد عبر الحرب الحالية، إذ تقول الوقائع على الأرض إن هذه الحرب لو استمرت طويلاً فلا أفق لها سوى تقسيم البلاد إلى دويلات متحاربة وفاشلة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قراءة لواقع الحرب في السودان
(Khartoum 18.7.2023,Igelhassan).
الكثير من الناس يضيع كثيرا من وقته في جدل لا طائل من ورائه ولا يغير من الوضع الماثل علي الارض شيئا حول من بدأ هذه الحرب هل هم كيزان الجيش او ما يطلق عليهم الطرف الثالث، الفلول كما يحلو للبعض، ام هم قحط او كيزان الدعم السريع المتمرد او الجنجويد، ام هي مجرد حرب بين جنرالين حول رئاسة السودان.
الجدال في هذا الموضوع الآن لا يقدم ولا يأخر فبغض النظر عن من بدأ بالطلقة الاولى هذا أمر قد تجاوزه الزمن الآن، والجدال حوله لا يجدي نفعا علي الاقل في الوقت الراهن. الحرب قد بدأت فعلا واصبحت واقعا يلزم التعامل معه ومع افرازاته الطارئة علي الوضع الراهن ومستقبل العباد والبلاد.
من الواضح جدا الآن إنه وبعد اندلاع الحرب فعلا فإن الاوراق قد اختلطت وتعقد المشهد كثيرا وظهرت مسارات وأجنده لم تكن معلومه للغالبية من ابناء شعبنا، او هي غالبا فقط لم تكن معلنه من قبل لنا، أو لم نحط بها علما، هذه المسارات او الاجندة تعتبر الآن هي المحرك الفعلي لمسرح العمليات في السودان او من يمسك بخيوط اللعبة وكل يحاول إستغلال فرصة الحرب لفرض أجندته المعدة مسبقا لهذا الوضع، ونجد ان من بدأ الحرب من جميع الاطراف عسكرية كانت ام مدنية اصبحوا كمبارس، ادوات مطلوب منها القيام باداء ادوار معينة (مدفوعة الثمن كانت ام موعودة).
حاليا حتي موت حميدتي (ولا حتي فناء كل آل دقلو ومستشاريهم) لم/لن يغيير شئ في مسار الحرب مما يدلل علي أن الامور اصبحت في ايادي خارجية وانهم مجرد اداة يمكن الإستغناء عنها في اي وقت.
نحاول تلخيص هذه المسارات في الآتي:
١. المؤتمر الوطني (الحركة الاسلامية)، وتمثل هذه الحرب بالنسبة لهم الكرت الإخير في اللعبة، الحرب بالنسبة لهم تعد اداة رئيسية في ادبياتهم من ادوات السيطرة علي الحكم بالقوة ومن ثم فرض ارادتهم فوق ارادة الشعب السوداني (من أعلي الى اسفل)، وذلك بعد فشل محاولاتهم في اسقاط الحكومة الانتقالية عبر وسائل الهبوط الناعم بدأ بالاقتصاد عن طريق التحكم وخلق ندرة في النقد والمواد الغذائية الرئيسية، ثم التحول الى وسيلة الانقلابات علي الحكومة الإنتقالية مرتان ومحاولاتهم لسرقة الثورة. والسبب الرئيسي في ذلك هو تقاطع مخططاتهم مع ظهور تطلعات وطموحات شخصية لقوات الدعم السريع لا تتوافق مع تطلعاتهم كما كان في السابق، لذا كان لابد من التفكير في التخلص من الدعم السريع نهائيا.
اتسق هدف حزب المؤتمر الوطني مع هدف قادة الجيش الثلاث في الحلم بالحكم والهروب من ملاحقتهم في قضية فض الاعتصام والمثبته عليهم والتي حتما سوف تقودهم الى حبل المشنقة ان تنازلوا عن الحكم.
ايضا يعمل حزب المؤتمر الوطني بكل السبل للتخلص من قحت المركزي (قحت الاطاري) عن طريق عمل اعلامي ممنهج، وبكل اسف تصرفات منتسبي قحت قد ساعدتهم في ذلك كثيرا بتسترهم خلف الدعم السريع، المؤتمر الوطني انزل كتائبه او ما تبقي منها في ارض المعركة “رغم انها لم تغيير شيئا في سير المعارك الدائرة” وذلك ليبينوا للشعب بأنهم حماة الوطن ويفدونه بأرواحهم وانهم البديل المناسب للحكم في السودان بأنهم نصروا الشعب حين خزله القحاطة
٢. طموحات ومخططات قيادة الدعم السريع في الاستيلاء علي الحكم في السودان وتأسيس مملكتهم التي من المفترض ان تضم عرب الشتات من القبائل المنتشرة في السودان وتشاد وافريقيا الوسطي والنيجر ومالى وهذه القبائل كانت تنظر الى حميدتي كالشخص المختار او المصطفي لهذه المهمة وينادونه بالامير، وهذا الطموح لآل دقلو معلوم منذ الانقاذ للكيزان وكانت لديهم خططهم الخاصه المعده مسبقا لوأده متي ما بدأ والتي من ضمنها انشاء هيئة العمليات كقوات نوعية مماثلة لتشكلية الدعم السريع ولها القدره في التعامل معه عند الضرورة، ايضا انتداب ضباط من القوات المسلحة والامن والمخابرات بالدعم السريع للعمل علي سلب القيادة من قواته عند الضرورة وغيره، بالطبع الدعم السريع كان علم بكل هذا لذا قام بالتخلص من هيئة العمليات وشراء ولاء عدد من الضباط من المنتسبين لديه ومن العاملين بالقوات المسلحة مستغلا حالة اللا دولة التي كانت سائدة في الفترة الانتقالية بعد الثورة، واخيرا استغل غباء واطماع سياسي قحت المركزي في محاولتهم الدؤوبة لحكم السودان بكل الوسائل المشروعة وغيرها بدون إنتخابات كحاضنة سياسية دسمة مسنودة بدعم دولي وأممي، بمجرد تمكن آل دقلو من الحكم بدون شك انه سوف يتم التخلص من قحت تدريجيا تحت غطاء دولي من دول معينة ذات مصلحة، علي الاقل ممكن تضمن لهم غض الطرف عن افعالهم.
٣. طموحات قحت (المركزي) في حكم السودان من غير انتخابات لعشرة سنوات ان أمكن لتمرير اجندتها واجندة داعميها بحجة ان البيئة السياسية والاجتماعية السودانية بوضعها الحالي لن تضمن لهم مقاعد بالانتخابات المذمعة، لذا كان لابد من صنع تغيير في هذه التركيبة لتفادي أخطاء الماضي وهم في هذا الامر صدقوا وهم كاذبون، قحت في بداية الثورة عملت تكتل كبير من مختلف قطاعات الشعب مهنيين واحزاب يسارية وعلمانية وتقليدية وغيرهم لتقدم نفسها كممثل لعموم الشعب السوداني حتي تمكنت من تسلق قيادة الثورة دون ان تترك لها مجال لتكتمل وتؤتي اكلها لانهم يعلمون ان هذا لو تم فلن يكونوا ضمن المعادلة السياسية للثورة الناضجة لذا كان لابد من وقف تقدم الثورة في تلك المرحلة والتحكم فيها.
بعد ما تمكنت قحت من تشكيلة اول حكومة انتقالية عملت علي افشال المساعي لتشكيل المجلس التشريعي (المجلس التشريعي الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية لخداع لجان المقاومة لتمثيلهم ومشاركتهم في الحكم) والذي كان سوف يوقف تمرير كل اجندهم الداخلية والخارجية بالتنسيق مع الجيش والذي راق له الامر لنفس الغرض فقط من وجه نظره، في المرحلة اللاحقة شكلت التركيبة المتباينة الكبيرة لقحت عبأ آخر لاختلاف الاجندة لكل كيان داخل قحت لذا بدأت في التخلص منها واحدا بعد الاخر الي ان انتهت بما يعرف بأربعة طويلة، وهم بالمناسبة انتهجوا نفس النهج الذي مورس منذ استقلال السودان والى الآن في التخلص من المنافس بالطرق غير الشريفة من خلال تفكيكه وتدميره، الجيش كان يراقب ويدرس مأآلات الامور التي كانت تسير لصالحه ويتحفز ووجد ضالته في الكيانات التي لفظتها قحت لتشكيل جبهة معارضة وله ما اراد، فقد تحالفت تلكم الكيانات بإمكانات وتخطيط حزب المؤتمر الوطني وبدعم من الجيش لاسقاط حكومة اربعة طويلة.
فشل محاولات قحط المركزي في حكم الفترة الانتقالية بمفردهم وطول الفترة الانتقالية ادت الى تململ الشعب وفقدانه للثقة في قحت بعد ان فقد الثقة في حمدوك بعد انقلاب الجيش واتفاقه معهم لتشكيل حكومة، ايضا استغلت المعارضة من الكيانات المنبوذة من قحت في حرق اوراقهم بصورة كبيرة خاصة وانه اتضح ان المتحكم الرئيسي في الشارع هو الحزب الشيوعي خارج مظلة قحت المركزي، شعرت قحط بفقدانها لغالبية الشارع السوداني الامر الذي من الممكن ان يؤدي الى خسارة مشروعها في الحكم لذا ولإنقاذ هذا الموقف لجأت الى بدأ محادثات غير مباشرة مع الجيش وكيانات محددة داخلية وخارجية نتج عنها ما يسمي بالاتفاق الاطاري والذي تم بسياسة اقصاء داخلية وخارجية متطرفة حملت بذور ووزر فشله لاحقا. حاولت قحت الاستفادة من خبرة الحركات المسلحة بأن يحافظوا علي مواقعهم في الحكم بقوة السلاح لذا سعوا لان يكون الدعم السريع هو الجناح العسكري لقحت والذي سوف يمكنهم من الوقوف في وجه الجيش وحكم السودان بالقوة ان دعت الضرورة.
٤. طموح دولة الامارات في استغلال الموارد المادية والبشرية للسودان، الموارد المادية المتمثلة في ذهب السودان والذي يهرب غالبه الى الامارات، اليورانيوم بالاضافة الى الموارد الزراعية .. مشروع امطار والشراكة مع اسامة داؤود في استثمار زراعي ضخم بالقرب من بربر، هذا بالاضافة الى المؤاني البحرية ونعلم في هذا الصدد محاولتهم المستميته في الاستحواز علي ميناء بورتسوان بشتي الوسائل المشروعة وغير المشروعة مستقلة فساد مسئولي الدولة… بعد فشلهم في ميناء بورتسودان عملوا علي خلق شراكة مع اسامة داؤود ومو ابراهيم كمكون وطني تعمل علي انشاء ميناء جديد في ابوعمامة يرتبط بمشاريعهم قرب بربر وامطار … ومخطط غرب افريقيا بعد نجاهم مع حميدتي في انشاء مملكته او ارضاخ هذه الدول (تشاد النيجر مالى افريقيا الوسطي) عن طريق الانقلابات او تزوير الانتخابات او القوة الباطشة للدعم السريع.
ايضا تنظر الامارات الى الدعم السريع كقوة باطشة مرتذقة تعمل من اجل المال تستطيع بها تحقيق طموحها في اليمن او جزء منه (الجزر والمواني)، في دول وسط وغرب افريقيا، ليبيا لمساندة حليفهم حفتر ، وتهديد مصر وغيرها في المستقبل ان دعت الضرورة. وفي هذا السياق مخطئ من يظن ان الامارات تتحرك في المنطقة لوحدها دون تنسيق واتفاق مسبق مع اسرائيل وامريكا وفرنسا والسعودية ما تقوم به الامارات اكبر بكثير من تفكيرها وطموحها وامكانياتها وسوف نبين ذلك في المسار التالى، الامارات ابعدت من محادثات جدة بين الجيش والدعم السريع ظاهرا نسبة للشواهد المتعددة لتورطها في حرب السودان دوليا لكنها حاضرة باطنا من خلال ادارة الوفد المفاوض للدعم السريع.
٥. اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية
في ظل حماية اسرائيل مخطط تقسيم الدول العربية الى دويلات صغيرة تحت اعادة مفهوم القبلية والطائفية ومصالح النفوذ بغياب الدولة المركزية المسيطرة، اضعاف الجيوش وتفكيكها، انشاء مليشيات تخدم مصالح الدول المسيطرة حاليا نجد المليشيات في السودان وليبيا واليمن ولبنان والعراق وسوريا وافغانستان وغيرهما بما يخدم مصلحة اسرائيل لزعزعة الامن وعدم استقرار في المنطقة تعوق تقدم واستقلال وتطور وتوحيد هذه الدول.
مخطط تقسيم منطقة الشرق الاوسط ومن ضمنها السودان قدم بواسطة الصهيوني الامريكي برنارد لويس ليفي وعمل مستشار في حكومة بوش الاب، بالاضافة الى مخطط الاسرائيلي عوديد بينون ١٩٨٢
، مشروع برنارد لويس معتمد من الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها المستقبلية في المنطقة عام ١٩٨٣، وقد نص علي تقسيم السودان الى اربعة دول. مخطط اسرائيل هو بعد التقسيم والتطبيع (تحت مسمى الاتفاقية الابراهيمية) هو تكون ما يسمي بالولايات المتحدة الابراهيمية كما طرحته جامعة فلوريدا عام ٢٠١٥ كمدخل لتكون اتحاد فدرالى تحكمه اسرائيل مركزيا بدا بالشرق الاوسط والتمدد تدريجيا نحو افريقيا، ويعلم القارئ الفطن ان هذا المخطط الآن قد بدأ فعلا ونفذ منه الكثير، في السودان يمكنكم الاطلاع علي الكتاب الذي صدر عام ٢٠١٥ بعنون “مهمة الموساد في جنوب السودان” ونري ان مخططات تقسيم السودان في طريقها للاكتمال بما يدور الآن في التوجه لتحويل الحرب لتصبح حرب قبلية وطائفية، ايضا لدي اسرائيل اطماع في توطين يهود الفلاشا في منطقة الفشقة الحدودية مع اثيوبيا تحت غطاء اماراتي، وحاليا تحاول اسرائيل بإن يكون لها موطئ قدم في المفاوضات الجارية لكي تتمكن من تمرير اجندها وقد صرحت بأنها علي اتصال بالجانبين لوقف القتال، لقد سعت اسرائيل ومنذ ١٩٥٦ علي محاربة السودان ومنعه من الاستقرار والتطور لان السودان وبإمكاناته المادية والبشرية من الممكن ان يصبح قوة اقليمية تضر بمصالح اسرائيل في المنطقة.
اما بالنسبة لامريكا فان الامر لا يعدو ان يكون محاولة او خطة لاستعمار المنطقة عن طريق وكلاء تحت مسمي الحرية والديمقراطية وذلك وفقا لتوصة برنارد لويس ونحنا نري الآن ماذا فعلت ديمقراطية امريكيا في العراق وافغانستان وغيرهما.
٦. ايضا نتطرق لاطماع فرنسا التي لم تنقطع في المنطقة وحاليا موجودة مع عبدالواحد محمد نور في مناطق جبل مرة ومع عبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان في استخراج الذهب واليورانيوم، حيث تم الايعاز (مدفوع الثمن) لعبدالعزيز الحلو بفتح جبهة حرب جديدة لتشتيت واضعاف جهود الجيش السوداني، واستغل عبدالعزيز الحلو الوضع لتوسيع احتلاله لاراضي جديدة عسي ولعل تكون من نصيبه اذا نجح المخطط الاسرائلي الامريكي اليهودي لتقسيم السودان.
٧. ولا ننسي الاطماع الروسية في الذهب واليورانيوم السوداني تحت إشراف وادارة شركة فاغنر والتي تعمل تحت إشرف الحكومة الروسية علي عكس ما يعلن عن انها شركة خاصة، هي في الفعل تمثل زراع روسيا في القارة الافريقية.
٨. الاطماع المصرية في خيرات السودان ومواده الاولية التي تبني عليها مصر صناعتها التحويلية وتقوم بتصديرها الى العالم كله بإسمها علما بإن الناتج عن الصناعات التحويلية يفوق بأضعاف مضاعفة قيمة المواد الاولية. ولا ننسي إحتلال مصر حلايب وشلاتين والتنقيب علي موارد باطن الارض بواسطة شركات اجنبية واجهة لدول عربية.
٩. واخيرا الاطماع الاثيوبية في الاراضي السودانية الخصبة للزراعة منذ عهد الملك منليك واعتقادهم بضرورة ضم الاراضي السودانية الى النيل الازرق لاثيوبيا وتاريخيا اقاموا حروبا من احل ذلك لكنهم هزموا علي الاراضي السودانية وقتل ملكهم.
……………………………….
لذا، قد تكون هذه الحرب قد بدأها الاسلاميون او قد يكون طموحات ومخططات آل دقلو، اما وقد بدأت بالفعل فأن هذه الحرب قامت بتفعيل كل المسارات الخمسة التي ذكرت اعلاه وحاليا كلا يحاول بقدر الامكان استغلال الظرف لاقصي ما يمكن لتنفيد مخططاته، ونستطيع ان نقول ان الحرب قد خرجت من ايادي من اشعل شرارتها الاولى وتحولت من داخلية الى اقليمية، وان طال امدها سوف تتحول الى حرب دولية بتدخل اطراف اخري، وما يجري في غرب افريقيا الساعة من تحالف مالى وبوركينافاسو مع النيجر ضد الايكواس واستنفار الآلاف من الشعب النيجيري مع احتمالية تدخل كل من فرنسا والولايات المتحدة ليس ببعيد عن السودان . فكل من يظن ويتمسك برأية الى الآن بان الحرب بين الجيش والدعم السريع في صراعهم لحكم السودان فهو قد وقع في الفخ الذي نصب له، او انه يغض الطرف عن المخططات الاقليمية لاستغلال موارد السودان ووحدته والتى تستهدف السودان من الاستقلال وموثقه بتقارير وكتب، الغريب في الامر ان المخططين يمتازوا بالشفافية ونحن لا نقرأ او نقرأ ونغض الطرف او نستغفل ونري التنفيذ جاري على قدم وساق في ارض الواقع والنتائج واضحة.
ذكر في التقارير الاسرائلية بأن مخططاتهم لم تنجح من دون مساعدة من الداخل، وكما وجدوا مساعدة من الداخل في انفصال جنوب السودان ايضا لديهم متعاونين في دارفور ونحن نعلم بمكاتب الحركات المسلحة الدارفورية بإسرائيل منذ أمد بعيد، اما الآن فحدث ولا حرج المساعدة متوفرة بالمجان فقط بدافع الغل والحسد والنكاية في الاطراف الاخري.
فقدان الوازع الوطني والروح الوطنية وتغليب الانا علي نحن في الشخصية السودانية منذ الاستقلال والى الآن تعتبر السبب الرئيسي في كل ما حصل ويحصل وسوف يحصل في السودان.
كل من يصنف موقفه الآن من بين ثلاث مواقف معتقدا ان لا رابع لهما وهما: الوقوف مع الجيش ام الدعم السريع ام الحياد، فهو ممن يحبون ان يغمضوا اعينهم او السير في الظلام او تبسيط الاشياء ويتجاهل الموقف الاهم وهو “الوطنية” وهو بالتحديد ما يراد لنا من المخططات الاقليمية ان نفهمة ونبني عليه قراراتنا وقد نجحوا في ذلك مع الاسف لاقصي حد.
ان كان من اشعل الحرب هم الكيزان لتنفيذ مخططاتهم في التخلص من الدعم السريع الذي غدر بهم وخلق فوضي والتخلص من السياسيين بالساحة، اقول بإن الامر الآن قد خرج من اياديهم بدخول فاعليين دوليين لتنفيذ خطط وبرامج معدة مسبقا لهذا الظرف مستغليين هذه الفرصة التي ممن الممكن ان يكونوا قد عملوا عليها في الخفاء، والنتيجة فإن السودان والسودانيين سوف يزالون من علي الخارطة فماذا انتم فاعلون؟ اين الوطنية؟ نستسلم للامر الواقع؟ ننتظر الجيش يحل المشكلة لانو الجيش جيش الكيزان ونحنا مع الحياد؟.
هذه الحرب الآن اصبحت حرب كل سوداني غيور علي وطنه وماله وعرضه، هذه الحرب وبعد فشل المخطط الاول تقريبا بالسيطرة علي الخرطوم والجيش باستبعاد قيادته وتعيين قيادة تدين بالولاء لآل دقلو وتكوين حكومة ضعيفة من قحت المركزي يتم التخلص منها تدريجيا لصالح توطيد مملكة آل دقلو.
حاليا ما يتم تنفيذه هو الخطة “ب” والتي تتعين علي خلق حرب اهلية وقبلية شاملة تؤدي الى تقسيم السودان ونري شواهد ذلك في ظهور آراء تدعو لفصل دارفور عن السودان. التنفيذ للامارات تحت اشراف ومعاونة ودعم اسرائيل وامريكا، طبعا فرنسا في الصورة في كل ما يتم في وسط وغرب افريقيا و يتم تحت تنسيق تام من اسرائيل وامريكا وفرنسا وغيرهم من الدول الغربية ذات المصلحة
طبعا انا مقتنع جدا انو الناس ما فجأة سوف يصبح لديها وعي كامل بما يدور حولها من مخططات ومؤامرات لسرقة وطنها مع انو هذا الحديث علي لسان كل سوداني قولا منذ عشرات السنين طبعا من غير فعل، ومقتنع تماما انو الناس ما فجاة سوف تمتلك روح وطنية تقودها لفك القيود والاستقلال والحفاظ علي تراب السودان لكني سردت الموضوع كلفت انتباه عسي ولعل يجد اذانا صاغيا، وعقول متفتحة، ونخوة وطنية وعشمي في الجيل الجديد كبيرة.
بناءا علي توصية برنارد لويس الصهيوني والمعتمدة من الادارة الامريكية والتي تنص علي تسويق فكرة التقسيم للشرق الاوسط علي اساس الحرية والديمقراطية وهى ما يتطلع له الشعوب المغلوب علي امرها كوسيلة للخلاص من ظلم حكم الفرد الذي اتي به الغرب نفسه. هل تظنون فعلا ان هنالك ديمقراطية في الدول الغربية؟ اذا كانت الديمقراطية تعني لكم الحرية الشخصية في القول الفعل نعم توجد. لكن في الحكم هل توجد فعلا ممارسة ديمقراطية؟ هذا موضوع آخر يمكن التتطرق له في مقال منفصل.
بالنسبة للسودان رأي الشخصي اذا ظلت الاحزاب التقليدية والاحزاب المستوردة من الخارج في الساحة السياسية لن يشهد السودان حكما ديمقراطيا مطلقا. لتتم ممارسة ديمقراطية حقيقية يحتاج السودان الى تهيئة داخلية وخارجية تتمثل في الآتي:
أولا :الوطنية، العمل علي تنشأة الاجيال القادمة علي الروح الوطنية وحب الوطن والتخلص من النعرات القبلية والطائفية ركزت علي تربية الاجيال القادمة (عمل من القاعدة لاعلى) لانو بالنسبة للجيل الحالى فقد فات آوان التربية الوطنية، غالبية الجيل الحالى (الا من رحم ربي) تربي علي غلبة الامور الشخصية علي الوطن وعلي استباحة المال العام وعلي بيع الوطن لاقرب مشتري وهذا الامر مستشري منذ الاستقلال وقد ساهم في زرعة الانجليز بكل أسف عن طريق استجلابهم لعلماء نفس عملوا علي الطبقة المتعلمة من السودانيين علي نزع الروح الوطنية وتغليب النزعة الشخصية والحسد والتنافس غير الشريف وقد برع السودانيين في ذلك لدرجة ان الوضع خرج عن السيطرة وكاد ان يوقف مصالح الانجليز في السودان فعمدوا الى احضار إخصائيين نفسيين لاصلاح ما افسده الاوليين حتي يتمكنوا من تسيير مصالح الدولة… وكان ما كان الى يومنا هذا، لذا بالنسبة للاجيال الحالية الوارثة لهذا السلوك منذ الاستقلال لابد من العمل من أعلي الى اسفل بغرض فرض المظاهر والسلوك الوطني فرضا وتحت رقابة مشددة لكي لا يأثروا سلبا علي تربية الاجيال القادمة.
ثانيا: التخلص من الاحزاب التقليدية والمستوردة من الخارج، اي حكومة انتقالية ام منتخبة من ما يظهر فيها واحد من آل المهدي او الميرغني اعلم انك علي بعد سنين ضوئية من الديمقراطية، لابد من التخلص من احزاب التوريث، بعدين أهل الشيوعية والبحثيين تركوا الحاجات دي لكن السودانيين لسه متعبطين بيهم ليه لا أدري، هل هو خواء فكري وسياسي اقعدهم عن انتاج احزاب سودانية خالصة.
ثالثا: الجهل، نسبة الجهل العالية في السودان (اقصد بالجهل الذين لم ينالوا حظا من التعليم، اما جهل المتعلمين فهذا موضوع آخر) تمكن مرشحي الحكومة من استغلال هذا الجهل للوصول الى مقاعد الرئاسة والنتيجة هي ان الجهلاء سوف يتحكمون في قرارات السودان، ولقد حاول الاسلاميين معالجة هذا الامر في عهد سوار الذهب عن طريق ابتكار دوائر الخريجيين ولكنهم استغلوا الامر استغلالا سيئا لمصلحتهم بأن جعلوا الدوائر في مناطق تمركزهم لضمان فوز مرشحيهم.
رابعا: معالجة الامور الطائفية والقبلية وجعل الولاء للوطن اولا وللاكفاء من ابناءه
معالجة المواضيع التى ذكرت اعلاه تتطلب علي الاقل عشرة سنين، لذا فإننا ننظر الى حل استراتيجي وآخر تكتيكي لان السودان لن يظل ١٠ سنة من غير حكومة وذلك لان اي تجربة ديمقراطية خلال هذه العشرة سنين بدون معالجة هذا الامر سوف تكون نتيجتها الفشل حتما لانها تحمل عوامل واسباب الفشل داخلها،
تكتيكيا نأمل في الوصول الى حكومة كفاءات وطنية نزيهة لاحزبية (لا مؤتمر وطني، ولا قحت، ولا احزاب تقليدية، ولا احزاب مستوردة) تقود البلاد نحو الاستقرار والتطور، اجندها الرئيسية تتمثل في وضع استراتيجية شاملة تعالج اخطاء الماضي، تحسن وتطور الحاضر، تستثمر وتستشرف المستقبل قابلة للتطبيق بآليات تطبيق ومتابعة ورقابة شفافة وواضحة لكل السودانيين … محاربة الفساد والقبلية والطائفية … محاربة الجهل … صياغة دستور يحظي بقبول السودانيين … اعادة بناء التجربة الحزبية بالتخلص من الاحزاب الطائفية والقبلية والوصول الى احزاب سودانية خالصة وطنية ديمقراطية (تمارس الوسائل الديمقراطية داخل الحزب) شاملة لا تتجاوز ٤ أحزاب … تعمل علي تهئية السودانيين والسودان الى المرحلة اللاحقة من الممارسة الديمقراطية، هذا بالاضافة الى المهام الاخري المعروفة الخاصة بالاستغلال الامثل لموارد الدولة، الاقصتاد وتوفير سبل العيش الكريم للمواطنيين …. وغيرها.
بالنسبة لفلول النظام السابق (او عصابة النظام السابق) لانو من الخطأ ان نطلق عليهم اسلاميين او كيزان سيد قطب قال الاسلام بحر ونحن كيزانه لكن هؤلاء بالنسبة لهم الدنيا بحر وهم كيزانها. هؤلاء لو بيفكروا كويس لازم يعلموا انه ليس لهم أمل مطلقا في العودة لحكم السودان في ظل المتغيرات علي الارض، وبالنسبة للدول التي كانت مستفيدة من خدماتهم خارجيا فقد استنفذوا اغراضهم ووجد لهم بديل. قيادة الجيش تعتمد عليهم حاليا كداعم شعبي او حاضنة لتحقيق طموحاتهم في الوصول الي سدة الحكم وبعدها سيكونوا اول من يضحي بهم لان قادة الجيش يعلمون ان اية حكومة ذات رائحة كيزانية لن تجد قبول ودعم دولي بل بالعكس معارضة وحروب دولية واقليمية من اول يوم الامر الذي سيؤدي الى فشلها في نهاية الامر، لذا فرص حكمهم مرتبطة بالتضحية بالكيزان في اول فرصة مثل ما فعل السيسي في مصر، خاصة وان قادة الجيش قد رأوا قدرات الكيزان العسكرية الضعيفة في هذه الحرب وان الحشد الشعبي للاستنفار قد تم بدونهم، المساعدة الرئيسية المطلوبة منهم هي التخلص من الدعم السريع الذي يمثل عائق امام طموحهم، والتخلص من قحت المركزي وقد كان عصفوران بحجر واحد.
اذا فشل قادة الجيش في الوصول الى سدة الحكم (خطة أ) فإن خيارهم الاخير (خطة ب) هو ترتيب خروج آمن لهم من غير محاسبات وملاحقات قانونية خاصة فيما يتعلق بتبعات قضية فض اعتصام القيادة العامة.
الناس البتقول “لا للحرب”، اعتقد ان هذا الموقف مقبول جدا قبل ان تبدا الحرب وغالبية الشعب السوداني مع “لا للحرب” ما عدا الفلول احتمال، لان الظاهر للعيان كان في بداية الحرب انها بين الجيش (جيش الكيزان …. كما يحلو للبعض) والدعم السريع علي اساس ان المواطنين خارج المعادلة لكن وبعد ان بدأت الحرب فعلا هذا الموقف لم يعد صالحا للاستعمال لان المواطن فجأة وبدون مقدمات اصبح العدو الرئيسي للدعم السريع من غير سبب ومقدمات، الدعم السريع ترك جيش الكيزان واستباح ممتلكات المواطنين واعراضهم وعمل علي قتلهم وتشريدهم بقوة السلاح، الحرب اصبحت مباشرة ضد المواطن حتي معاشي الجيش والقوات النظامية قتلوا في منازلهم من غير ذنب سوي انتمائهم السابق لهذه القوات، ورد مستشار الدعم السريع اللواء عصام فضيل ورئيس محكمة المخالفات والتفلتات بالدعم السريع علي التاجر الذي فقد سياراته وطالب بإستردادها، قال له اللواء “سيارات شنو انا ٨٠ بنت مختطفة بواسطة افراد الدعم السريع لم استطيع ارجاعهم لاسرهم وهن يتعرضن للاغتصاب بشكل متواصل ويطالبون ذويبهم بدفع مبالغ مالية كبيرة كفدية للافراج عنهم”.
فهل بعد كل هذا يوجد موقف او خيار يدعو ب لا للحرب ؟؟؟ . المفروض اي سوداني لا زالت به شئ من النخوة والرجولة يشيل سلاح وينزل الميدان، الموضوع اصبح موضوع ثار عديل وغبن واي تفاوض واتفاق لا يحمل مطالب المواطن المتضرر المباشر لن يكتب له النجاح.
هذا ناهيك عن خطط وطموح المسارات الاخري والمؤامرات التي تحاك في الخلف وتنفذ بيد وكلاء والتى ذكرت سابقا .
حاليا لازم موقفك يكون شرعيا، سودانيا شريفا للدفاع عن مالك وارضك وعرضك ووطنيا مع الجيش للحفاظ علي وحدة السودان وارض السودان وانسان السودان، حيث يصبح “لا للحرب” يمثل الخزلان والضعه والهوان.
كثير من يقول لا للحرب لكن لايوجد واحد ذكر كيف يمكن ان نوقف الحرب الآن؟ ممكن احدهم يرد يقول بالتفاوض، طيب التفاوض نتائجه اما الجيش يستلم للدعم السريع او العكس، او يتم الاتفاق علي وجود عسكري وسياسي للدعم السريع في مرحلة ما بعد الحرب صحيح؟ اذا استسلم الجيش فهذه نهاية السودان والسودانيين، مافي سوداني خارج الوطن الآن يستطيع العودة للسودان الا ان يقبل ان يعيش ذليلا حياة عبودية تحت جذمة الجنجويد “هذا وفق قولهم” أو تغادر خارج الوطن، ويشمل هذا الموجودين بالسودان. اذا قبلنا بوجود عسكري وسياسي للدعم السريع بعد الحرب (وهو مرفوض من الغالبية السودانيين) فهذا يعني انك اعطيتهم وقت لالتقاط انفاسهم وتجميع صفوفهم وتجهيز قواتهم بأحدث الاسلحة لحرب أخري علي السودان. أما اذا استسلم الدعم السريع فهذا ما تعمل عليه القوات المسلحة ويحقق نهاية الحرب.
فكل من يختزل الحرب في السودان علي اساس انها حرب الفلول مع اذناب الفلول وجالس يتفرج ودافن رأسة في الرمال علي انهم ينهو بعض ويرتاح منهم فإنه يتمتع بضيق افق لا يحسد عليه، فاقد الصلاحية ومغمض العينين والبصيرة عن رؤية الحقيقة المخيفة عما يحاك ضد وطنه السودان بأيادي خبيثة خبيرة والنتيجة ان السودان يكون او لا يكون, الحرب الدائرة الآن في السودان هي لتفتيت المكون السوداني ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا الي مكونات جديدة صغيرة متناثرة يسهل السيطرة عليها وعلي مقدراتها ومواردها من الخارج بواسطة فاعليين دوليين وفق خطة متفق عليا مسبقا. واذا سارت الامور علي غير ما تهوي النفوس فأبشره بأن نهايتها سوف تحوله الى انسان مشرد نازح من بلد الى بلد يتلقي في الاعانات الدولية لو ما كان فعلا الآن.
في الايام الاولى للحرب طالب الناس في قروبات كثيرة بالبدء في عمل مسيرات لدعم الجيش لان الموقف الدولي يساوي بين الجيش والدعم السريع ولن يتغيير الا بمشاهدة رأي الشعب السوداني ولقيت ما لقيت من النقد والصراخ من الجميع. وقد كان بمجرد ما خرجت مسيرات مؤيدة للجيش بدأ الموقف الدولي في التغيير فوريا. وبعدها ايضا طالبت ببدأ عملية الاستنفار من جميع الشعب السوداني لان هذه المعركة معركة وجود يكون ام لا يكون وايضا ووجهت بهجوم عنيف وانتقاد من الجميع واتهموني بأني اسعي لحرب أهلية بالرغم من انني ذكرت لهم بأن الامر سوف يتم تحت الاشراف والتحكم المباشر من الجيش وليس عشوائيا، بصراحة عجبت لمدي السلبية الهوان الذي وصل اليه الشعب السوداني. وقد كان بمجرد ما بدأ الحشد من الشعب حصل تغيير كبير من المجتمع الدولي وظهر الخوف في صفوف المتمردين واضحا في هجومهم علي وتخويف المستنفرين.
أعتقد اسوأ ما فعله الكيزان في الشعب السوداني هو تحويله الى شعب سلبي، “غير مبالى” لا يبالي بأي شئ حتي وطنه مستعدا لبيعه بأرخص ثمن، لا يهمه الا نفسه، لايبادر ولا يحب ان يفعل اي شئ لتغيير هذا الواقع دائما في انتظار من يقومون بذلك بدلا عنه.
زمن الكيزان كان اي مشكلة تحصل في السودان يقولوا ليك امريكيا والحصار، ما انهم اعترفوا بأنهم تجاوزوا الحصار في السنين الاولى لكن امريكيا اصبحت شماعة للفشل في ادارة الدولة، حاليا اي حكومة تجي تحكم السودان ما كل مره يواجهوا مشكلة يقولوا لينا ديل الكيزان والفلول هم السبب لتغطية اي فشل يقعوا فيه، من الاول يشكلوا لجنة او مفوضية او ادارة للتخلص من الكيزان ويريحونا منهم وتتفرغ الحكومة لامور الحكم وتنمية وتطوير وادارة الدولة لانو لو ظلنا ندور في حلقة الفلول دي لن تقوم للسودان قائمة.
” النجاح بالنتائج …. والفشل بالاعذار”